رأيصحيفة البعث

إنجاز استراتيجي في معركة غير عادية

يمكن القول، دون مبالغة: إن ما أنجزه الجيش العربي السوري في الغوطة الشرقية، حدث بالغ الأهمية، بل انعطافة نوعية، ليس فقط من الناحيتين العسكرية والإنسانية، حيث تمكّن هذا الجيش الباسل من إجبار الإرهابيين على الاستسلام والانسحاب بأقل الخسائر والأثمان العسكرية والبشرية الممكنة، كما حرر أهالي الغوطة من الحصار القاتل الذي كان مضروباً عليهم من قبل أولئك الإرهابيين، بل ومن الناحية الاستراتيجية، وهي الأكثر أهمية دون شك، أيضاً. فهذا الإنجاز الذي يعني أن الطريق إلى حلّ عقدة دوما بات سالكاً، ومتوقّّعاً في القريب العاجل، وأن مصير الإرهابيين في جنوب العاصمة لن يكون أفضل من مصير إرهابيي الغوطة، هذا الإنجاز الاستراتيجي سينعكس إيجابياً على مجمل الوضع السوري بمختلف أبعاده الميدانية، والسياسية، وحتى الاقتصادية وذلك للأسباب التالية:
أولاً: إن تخليص دمشق نهائياً من التهديد الإرهابي المزمن المتمثّل بقذائف الموت التي تقتل المدنيين، وتُحدث بحقهم المجازر المروعة، وآخرها مجزرة “كشكول” بدمشق، يعني، فضلاً عن إبعاد هذا الخطر القاتل، إفشال المخطط الأمريكي الصهيوني الرجعي الذي كان يحاول، انطلاقاً من الغوطة، وبما لها من موقع جغرافي حساس، استهداف عاصمة الدولة السورية ومركزها الأساسي بكل ثقله البشري، والإداري، والسياسي، ودقّ المسمار الأخير في نعش مشروع إسقاط الدولة، وإزاحة سلطتها الوطنية بقوة الإرهاب المدعوم إقليمياً ودولياً.
ثانياً: إن هذا الإنجاز عامل إيجابي في الدفع نحو الحل السياسي الوطني الذي يريده السوريون. فتحرير الغوطة يحرق إحدى أخطر الأوراق التي كان يستخدمها مشغّلو الإرهابيين لعرقلة ذلك الحل، أو فرض حل من الخارج على السوريين لا يمثّل إرادتهم، ويجهض نتائج تصديهم، شعباً وجيشاً وقيادة، للعدوان، وتحقيقهم شوطاً كبيراً في الانتصار عليه، بفعل التضحيات الجبارة والإعجازية، والأثمان الباهظة التي دفعوها من أجل المحافظة على دولتهم، واستقلالها، وسيادتها، ووحدة شعبها وترابها.
ثالثاً: سيمكّن هذا الإنجاز الجيش العربي السوري من التركيز، وفق أولوياته وخططه التي يرسمها بدقة عسكرية واستراتيجية فائقة، على مواصلة التصدي للإرهاب، والاحتلال، ومحاربتهما حيثما وجدا، وحتى تحرير آخر شبر من تراب سورية منهما.
وسيأتي دور المحتلين الأمريكي والتركي اللذين اعتديا على السيادة السورية، واستفادا من ظروف انشغال الجيش العربي السوري وحلفائه بمحاربة الإرهاب التكفيري، ومن تعقّد المسألة السورية، لتحقيق مطامعهما الاحتلالية الدنيئة. وليس صعباً على المتتبع لتطور المشهد الميداني في سورية أن يدرك، بكل سهولة، أن جيشها لن يسمح أبداً باحتلال ذرة واحدة منها، وأن ما أقدم العدوان الأمريكي والعدوان التركي على ارتكابه بحق سورية فعل إجرامي مرفوض جملة وتفصيلاً، ولن يسمح له الجيش البطل الذي حرر حلب والغوطة، بالاستمرار، مهما غلا الثمن، وعظمت التضحيات.
لقد رأينا كيف ثارت ثائرة أعداء الدولة السورية، وقام “المجتمع الدولي” بقيادة أمريكا ولم يقعد، عندما قرر الجيش حسم معركة الغوطة، لكن لا التهديد والوعيد، ولا الضغوط السياسية والإعلامية الهائلة نجحت في كسر شوكة الإرادة السورية.
وإذا كانت القوى الإقليمية والرجعية المعادية، وجماعاتها الإرهابية مازالت تراهن، حتى بعد الغوطة، على دور أمريكي عسكري مباشر لإجهاض الانتصارات السورية، ولاسيما بعد أن عزّز ترامب إدارته العدوانية ببعض الرؤوس الحامية، والموالية للكيان الصهيوني حتى النخاع، فإن عليها أن تدرك أن من لم يخش التهديدات الأمريكية أمس، لن يخشاها اليوم، وأن سورية تعرف تماماً حجم قوتها، وقوة حلفائها، كما تعرف أين تكمن قوة أعدائها، وأين يكمن ضعفهم، كما تعرف أنها لا تخوض معركة عادية، بل تخوض، كما قال السيد الرئيس بشار الأسد لرجال الجيش العربي السوري في الغوطة: “معركة العالم ضد الإرهاب وليس معركة سورية فقط، وكل جندي أو مقاتل أو طيار كان ينفذ المهمة الموكلة إليه كان يغيّر الخريطة السياسية، والموازين العالمية”، ولهذا فإن سورية مستعدة لكل الاحتمالات.
محمد كنايسي