الحكومة تناقش الخطوات العملية لإعمار الغوطة: الحفاظ على الهوية الزراعية وتنظيم الحرف في مناطق خاصة
دمشق- محمد زكريا:
لعلّ ما يؤرّق إعادة تأهيل البُنى التحتية في الغوطة الشرقية لمحافظة ريف دمشق هو تشعّب وتعدّد شبكات الأنفاق المنتشرة على طول قرى وبلدات المنطقة، ولعلّ اللافت في الموضوع هو تمكّن الجهات المعنية من الكشف السريع عن هذه الأنفاق، لكن يبدو أن موضوع معالجة واقع هذه الأنفاق وتحديد طرق الاستفادة منها أو العمل على إزالتها هو الشائك والذي يحتاج إلى المزيد من التعاون والمتابعة بين الجهات العامة.
ولعلّ أولى الخطوات التي تأتي ضمن هذا الإطار جاءت في اجتماع رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس أمس مع الجهات المعنية لمناقشة خطة إعادة تأهيل الغوطة الشرقية مع مناطق جوبر وبرزة والقابون في دمشق، عمرانياً وتنظيمياً وتنموياً وخدمياً، وذلك بعد تحريرها من الإرهاب على يد بواسل الجيش العربي السوري، ورسم الاجتماع الخطوات العملية والإجراءات التنفيذية لإعادة بناء وإعمار الغوطة الشرقية من خلال عدة محاور تبدأ بفتح الطرقات الرئيسية، ومعالجة واقع الأبنية الآيلة للسقوط، وإزالة مناطق المخالفات السكنية ومعالجة واقع الأنفاق والنظر بإمكانية إعادة استثمارها والحفاظ على الإرث الاقتصادي والحضاري الموجود لجهة الصناعات الغذائية والتحويلية والأخشاب والمفروشات وحماية الغطاء النباتي وتعزيز المناطق الخضراء.
وركزت الطروحات على تحديد هوية الغوطة العمرانية من خلال إعادة تقييم المخططات التنظيمية والعمرانية لكل مناطق الغوطة، بالتنسيق ما بين وزارتي الإدارة المحلية والبيئة والأشغال العامة والإسكان، وبما يتوافق مع محددات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي الذي يعمل على التوسع بشكل شاقولي في البناء والمحافظة على الهوية الزراعية للغوطة، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار المحافظة على الصناعات والحرف التقليدية التاريخية في الغوطة من خلال تنظيم هذه الحرف في مناطق حرفية مخصصة لهذا الأمر، إضافة إلى إعادة النظر وتقييم المخططات التنظيمية بما يحافظ على المساحات الخضراء الزراعية ويذهب باتجاه التوسع الشاقولي من جهة خلق فرص تنموية، مع الإشارة إلى أن الغوطة كانت تحوي قبل الحرب نحو 300 ألف عامل باختصاصات حرفية عدة.
وتم خلال الاجتماع الطلب من محافظة ريف دمشق تقييم واقع الصالات والورشات والمصانع المتموضعة على طرفي الطريق الدولي من حرستا وبمحاذاة الغوطة، وتحديد المتوقف عن العمل والمتضرر منها بشكل جزئي والمدمر كلياً، ووضع رؤية لمعالجة واقع هذه المنشآت لتكون في الإطار التنموي الصحيح، إضافة إلى إعداد دراسة لمدخل دمشق الشمالي تراعي ما خلّفته الحرب من أضرار.
وتقرّر خلال الاجتماع تكليف شركات الإنشاءات العامة للبدء بفتح الطرق الرئيسية في كامل الغوطة الشرقية بالتعاون والتنسيق مع محافظة ريف دمشق وفق إطار زمني محدّد وبرنامج تتبع مستمر، مع إدراج شرط ضمن العقود المبرمة لذلك لتوثيق واقع الطرقات قبل البدء بفتحها وبعد الانتهاء منها.
وفيما يخصّ الأبنية المتضررة بفعل الإرهاب قرّر المجتمعون دراسة السلامة الإنشائية للمباني لتحديد الأبنية الآيلة للسقوط لإزالتها مباشرة بشكل يراعي خصوصية كل مبنى، إضافة إلى تحديد الأبنية السليمة التي تعرّضت للضرر للبدء في إعادة تأهيلها، وذلك بالتعاون ما بين لجان السلامة الإنشائية والخدمات الفنية بمحافظة ريف دمشق.
وفيما يتعلق بالأنفاق التي خلفها الإرهاب قرّر المجتمعون إجراء دراسة عن شبكة الأنفاق الموجودة في الغوطة الشرقية كاملة مع إحداثياتها وأبعادها ومواصفاتها وطريقة المعالجة، والكشف عن الأنفاق المخفية وتحديدها وفق خرائط دقيقة وتوصيفها وإجراء الرفع الطبوغرافي لها والقراءة الإلكترونية للخرائط ووضع رؤية لمعالجة واقع كل نفق لجهة الاستفادة منها في البنى التحتية وحتى إمكانية استثمارها، مع الإشارة إلى أنه تمّ إجراء التوصيف الطبوغرافي لـ 16700 متر من الأنفاق، 12300 متر منها في جوبر.
وحول مناطق المخالفات السكنية قرّر الاجتماع معالجة واقع جميع المخالفات السكنية في الغوطة بشكل يتوافق مع الأنظمة والقوانين وبما يحافظ على هوية الغوطة الزراعية والحرفية، إضافة إلى مناطق جوبر والقابون بدمشق وفق برنامج زمني محدّد. كما تمّ خلال الاجتماع مناقشة التخطيط الإقليمي للغوطة الشرقية وكيفية المواءمة بينه وبين المخططات التنظيمية المحلية وفق رؤية حديثة تؤمّن تنمية عمرانية لهذه المنطقة وتكون حافزاً لتنشيط الحياة الاقتصادية فيها.
وزير الإدارة المحلية المهندس حسين مخلوف، أشار إلى البدء بإزالة الأنقاض ودراسة الأبنية الآيلة للسقوط التي تثبت لجان السلامة الإنشائية ضرورة إزالتها، ومعالجة المخالفات المهدّدة بالسقوط نتيجة الأعمال الإرهابية والعمل على إمكانية الاستفادة من بعضها في مجال البُنى التحتية ومعالجة البعض الآخر، مبيناً وجود رؤية تنموية شاملة مستقبلية للغوطة الشرقية مرتبطة بهوية الغوطة الزراعية، وهذا يتعلق بالتخطيط الإقليمي والتنظيم العمراني من خلال إيجاد مناطق تنموية تتواءم مع الصناعات والحرف التقليدية التاريخية في الغوطة وتنظيمها في مناطق حرفية مخصّصة لهذا الأمر، والحفاظ على المساحات الخضراء الزراعية والذهاب باتجاه التوسع الشاقولي وخلق فرص تنموية واستثمارية من جهة أخرى.
وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس حسين عرنوس أوضح أن الاجتماع هو الثاني ضمن سلسلة اجتماعات تقوم بها الحكومة لوضع برامج زمنية محدّدة لكل القضايا المتعلقة بالغوطة، سواء لمعالجة الأنفاق المنتشرة بطريقة عشوائية أو لوضع مصورات وخطط وبرامج لتحديدها بشكل دقيق، ومواءمة التخطيط الإقليمي للغوطة الشرقية مع المخططات التنظيمية وفق رؤية حديثة تؤمّن تنمية عمرانية لهذه المنطقة وتكون حافزاً لتنشيط الحياة الاقتصادية فيها، وأشار إلى أنه يجري التنسيق ما بين وزارتي الإدارة المحلية والبيئة والأشغال العامة والإسكان لجهة معالجة هذه القضايا، وسيتمّ الانتهاء منها خلال فترة قريبة ووفق برنامج زمني دقيق، وذلك للوصول إلى مخططات تنظيمية تخدم أهل المنطقة.
من جهته بيّن الدكتور المهندس معلا الخضر معاون وزير الأشغال العامة والإسكان أن الاجتماع كان مخصصاً لفتح الطرقات وإزالة المخالفات وتحديد رؤية ومشاريع ومخططات تنظيمية ومناطق حرفية، ومعالجة الأنفاق وإمكانية الاستفادة منها خلال الفترة القادمة، ودراسة مخططات تنظيمية جديدة لريف دمشق بالكامل وخصوصاً الغوطة لجهة التوسع الشاقولي والمحافظة عليها كمنطقة خضراء.
بدورها أوضحت المهندسة راما ظاهر معاون وزير الأشغال العامة والإسكان لشؤون التخطيط الإقليمي والعمراني أهمية الاطلاع على واقع التخطيط الإقليمي الشامل لمنطقة الغوطة والأبعاد الموجودة وتعزيز الأبعاد الزراعية والاعتماد على بعض الصناعات الموجودة، وإعادة تقييم تنظيم المخططات التنظيمية الموجودة لإعطائها بعداً حضارياً وتنموياً، وتعزيز الحرف الموجودة من خلال المناطق الحرفية الموجودة أو من خلال خلق مناطق حرفية جديدة، وتسويق المنتجات التي ستُنتج في هذه المناطق من خلال صالات عرض وتعزيز البعد التجاري في بعض المناطق.