صحيفة البعثمحليات

عطش..!

ما إن يصفُر قطار الصّيف ملوّحاً بقدومه؛ حتى تُرخي برامج تقنين المياه بظلالها، لتفرض نفسها ضيفاً ثقيلاً على أجندتنا الزّاخرة بمواعيد خلّبيّة ولاسيّما منها مواعيد إنجاز مشروعاتنا المائيّة، التي برع القيّمون عليها بالنّكوص بها، وفرضوا علينا سياسة الأمر الواقع في قبول تأخّرهم طويل الأجل في تنفيذها..!
تقنينٌ ما كان ليتمّ في المنطقة الوسطى؛ لو أنّ مشروع جرّ مياه أعالي العاصي لإرواء أهالي وسكان مدينتي حمص وحماة شقّ طريقه إلى النّور خلال مدّته العقدية، وبواقع تأخّرٍ تجاوز عشر سنوات، لن تبذل الشّركة العامة لتنفيذ الإنشاءات العسكرية – مُتعهّدة المشروع – كبير جهد مع شمّاعة الأزمة لتسويغه، وقد تمكّنت من حصاد التّبريرات المتلاحقة من أصحاب المشروع قبل الأزمة، كما لن تجد المؤسسة العامة لمياه الشّرب ضيراً في قبول هذا التّبرير، ما دامت قادرة بصنابيرها الضخمة وفي لحظات على حجب “إكسير الحياة” عن أحياء بكاملها من دون أن يرفّ لها جفن، غير آبهة بمعاناة سكان هذه الأحياء، وخاصّة المتربّعة منها على واقع تضاريسي مرتفع نسبيّاً سواء في محيط المدينة أم ريفها الأقرب، والتي لطالما شكت عطشاً مزمناً في فصول الصّيف المنصرمة، وشحّاً شديداً  في مياه الشّرب، ما شكّل ويُشكّل مناخاً خصباً لباعة المياه الجّوالين بصهاريجهم البعيدة عن عيون الرّقابة الصّحيّة، وبالتّالي عن معايير وشروط السّلامة في “مياههم” التي يبيعونها بأثمان باهظة، مستغلين حاجة الناس الماسّة إليها..!
وبينما يقرع المسؤولون المائيّون ناقوس الخطر على مياه حوضي حسياء ودحيريج (الذي يزوّد المدينة من آباره العشر بنحو 10000م3 من المياه يومياً) من التلوّث النّاجم عن منصرفات معامل المدينة الصّناعيّة والصّرف الصّحي لبلدة حسياء والقرى المتاخمة لها، والتي تصبّ في مجرىً سيليّ يؤدّي إلى وادي “ربيعة”، وينذر بتلوّث جزئي في الحوض المائي لآبار “دحيريج” خلال عامين على الأكثر؛ فإنّ إدارة المدينة الصّناعية ما فتئت تُشيح ببصرها عن الدّفع قدُماً في إنجاز محطة المعالجة المركزية فيها – المتوقف العمل فيها منذ بداية الأزمة بنسبة إنجاز لا تتجاوز 32% – درءاً لخروج هذا الحوض من الخدمة إن لم نقل: تجنّباً لكارثة صحيّة وبيئية وشيكة!
وإذْ تطنب المؤسسة العامة للمياه في حملاتها الإعلانيّة الدّاعية إلى ترشيد استخدامات المياه واستهلاكها، فإنّ مئات الآبار الواقعة في حرم عين التنّور والقابعة معه على حامل مائي واحد، تستمر في استنزافه، الأمر الذي يقتضي النّظر في الوضع غير القانوني لهذه الآبار، والتّشدّد في تطبيق إلزاميّة التحوّل إلى الريّ الحديث.
والحال أنّ هذه المعطيات المريرة والمؤلمة؛ تجعل من المسؤولية الوطنيّة بمكان إيلاء مياهنا ما تستحق من عناية، والمضيّ قدماً في إنجاز المشروعات المائيّة المُعلّقة، ناهيك بضرورة تطوير إدارة مواردنا المائيّة من خلال توحيد الجهات الوصائيّة عليها، بما يُقلّل من الإجراءات البيروقراطية ويرفع من مستوى جودة مخرجاتها، وكذا العمل على إفشاء ثقافة مائيّة في وعي الجمهور تساهم في ترشيد استهلاكها، وتحصين مصادرها من العبث..!
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com