«الترامبية» أو الانعزالية الجديدة
د. مهدي دخل الله
تحت شعار«أمريكا أولاً» يحاول ترامب تعديل نظرية «المحافظين الجدد» التي سادت أيام القطب الواحد وتحويلها إلى «انعزالية جديدة» أخف وطء على العالم من سابقتها. وهو في هذا يسعى الى اعادة الحزب الجمهوري إلى تقاليده التي كان آخر ممثليها الرئيسان دوايت آيزنهاور (1953 – 1961) ورتشارد نيكسون ( 1969 – 1974).
ولا شك في أن شعار «أمريكا أولاً» يتضمن اعترافاً واضحاً بإستحالة الاستمرار «بالقطب الأوحد» في عالم يحكمه قانون النمو غير المتوازن للقوى الكبرى والصغرى.
حتى الآن لايمكن إيجاد تعريف محدد للانعزالية الجديدة أو للترامبية كتوجه استراتيجي جديد للولايات المتحدة. لكن من الواضح أن «الترامبية» تؤيدها الطبقات الشعبية التي قضت على مصالحها سياسات الديمقراطيين من كارتر وحتى أوباما وسياسات الجمهوريين الذين سيطر عليهم فكر المحافظين الجدد, من ريغان وحتى بوش الابن.
لعلّ أهم عنصر في الانعزالية الجديدة هو إعاقة تصدير الرأسمال الاستثماري الأمريكي إلى الخارج وتشجيع بقائه على الجغرافيا الأمريكية. منذ اليوم الأول اتخذ ترامب قرارات نوعية تدعم هذا التوجه لدرجة أن شركات أمريكية كبيرة ألغت برامج لبناء مصانع لها في الخارج وعادت بالرأسمال إلى الديار.
أيقظ ترامب من جديد الصراع بين «البرجوازية الوطنية» و «الامبريالية المعولمة» ورأس مالها المتوحش الذي كان يبحث عن أفضل الشروط للاستثمار في العالم، وخاصة في الدول النامية، حيث اليد العاملة الرخيصة والخامات المتوافرة وقرب أسواق الإستهلاك وإمكانية الإستهتار بالبيئة. وقصة الشركة الأمريكية الضخمة (يونيون كاربايد) في الهند مازالت حاضرة في الأذهان حيث أدى خلل فيها إلى مقتل المئات من العمال والسكان القريبين منها..
عودة الرأسمال الأمريكي «إلى الديار» يعزز الطلب على اليد العاملة الأمريكية ويرفع مستوى أجرها. لذلك يرحب العمال بهذا التحول الكبير ويؤيدون ترامب في مسعاه..
الترامبية أو «الانعزالية الجديدة» ليست بهذه البساطة، لأن لكل إجراء نواحيه الإيجابية والسلبية. المهم أن أمريكا اليوم تعترف باستحالة تمدد عصر الامبريالية المطلقة إلى مالانهاية. فالانعزالية التي ستفيد المواطن الأمريكي العادي سوف تسهم في إبعاد أوروبا شيئاً فشيئاً عن واشنطن والتوجه نحو روسيا والصين والهند وغيرها. ولنا في اتفاق (5+1) خير دليل. هو الاتفاق الدولي المهم الأول – بعد الحرب العالمية الثانية –الذي تجد فيه القارة العجوز نفسها بعيدة عن واشنطن.. بل نقيضة لها.
mahdidakhlala@gmail.com