“حكايات من مراكز الإيواء”.. يحملها شميط إلى العالم
“كيف أجلس مع الذي دمّرني” جملة قالها أحد المهجّرين في مركز الإيواء بالحسينية ووصفها بأصعب لحظة في حياته، تلتقي مع مقولة الجد الذي يحتضن حفيده ويبكي”ليتني أستطيع أن أدمرهم كما دمرونا”، مشاهد تسجيلية وتوثيقية قاسية موجعة قاهرة لاتوصف بالكلمات، كانت محور فيلم حكايا من مراكز الإيواء بتوقيع المخرج المبدع غسان شميط الذي عرض في دار الأوبرا ضمن مهرجان سينما الشباب والذي يحمل أوراق الإرهاب إلى العالم بأسره، ويظهر حقيقة ما فعله من دمار وخراب مبتدئاً ببانوراما إرهابية تظهر مجموعة من المهجرين من مختلف مناطق سورية، لتتوقف كاميرته وتوثق بدقة تفاصيل الحرب الإرهابية على منطقة الفوعة منذ الهجوم إلى الحصار القاتل إلى الخروج والتوغل في الجبال.
والسؤال الذي طرحته كاميرا شميط وأجابت عنه في الوقت ذاته هل نجت قوافل المهجرين من الإرهاب؟ ليجيب أحد المهجرين وكيف ننجو ونحن أمام أخطر المسلحين في العالم؟؟
بين التسجيل والتوثيق
شميط الذي جسد الإرهاب بفيلمه الدرامي ليليت السورية، بنى فيلمه الجديد على الدمج بين التوثيق لمشاهد حقيقية ومشاهد صوّرها في المناطق ذاتها وبين لقاءات المهجرين الذين شهدوا كل المراحل ابتداء من جريمة عام 2012، ولم يصدقوا حتى الآن أنهم على قيد الحياة فما حدث في الفوعة لم يحدث في تاريخ البشرية إلا بالإبادة الأرمنية، موظّفاً الموسيقا في مواكبة الأحداث لتتناغم مع نغمات العود الحزينة مع بدايات الحكايات إلى التأجج بالإيقاعيات مع تصاعد الأحداث وصولاً إلى الموسيقا المركبة مع الموسيقا الإلكترونية في المشاهد الأخيرة في مراكز الإيواء، لتعبّر عن حياة المهجرين الذين دمرهم الإرهاب.
ورغم أن الفيلم توثيقي تسجيلي إلا أن براعة المخرج شميط أوجدت مناخاً خاصاً بالفيلم يوحي للمشاهد بأنه أمام فيلم روائي من خلال التسلسل المدروس للأحداث والمونتاج الدقيق بين عرض المشاهد ومتابعة الشهادات، إضافة إلى مشاهد تظهر هجوم المسلحين بكل الأسلحة، لتتوقف كاميرته عند أقسى المشاهد حيث الطائرات السورية التي كانت تحمل الغذاء والخبز إلى أهالي الفوعة المحاصرين وترسلها من خلال المظلات فكان الإرهابيون بالمرصاد يطلقون الرصاص كي لايصل الطعام إلى الأهالي.
الموت بديل الخبز
تحدث كثيرون عن القذائف العشوائية والخطف والقنص الذي لايتوقف وعن الموت الذي أصبح بديل الخبز. وقد صوّرت الكاميرا تدمير الأبنية ورغم ذلك بقي السكان يغلقون نوافذهم بصفائح “التنك” والأكياس، والأطفال أصبحوا يقتطعون الحطب بدلاً من أن يذهبوا إلى المدرسة، ولا يجدون إلا القليل من الماء بعد أن دمر الإرهابيون الفرن الآلي وقطعوا الماء والكهرباء.
اللحظات الأكثر وقعاً كانت حول الأطفال الرضع الذين ماتوا أثناء الحصار لعدم توفر الحليب، وشهادة إحدى المهجّرات حول الماعز الوحيدة الموجودة في القرية للمختار الذي كان يوزع حليبها على الأطفال وقتله الإرهابيون، لتلتقي هذه الصورة المؤلمة مع موت المصابين لعدم توفر الأدوية والتعقيم بماء الملح وربط الجروح بقطع القمصان القطنية حتى إن أبسط الإصابات تؤدي إلى الموت.
انفجار قرب الحافلات
ومرارة الذكرى أكثر ألماً وقسوة حينما تحدثت إحدى المهجّرات عن مرحلة الخروج بقوافل تشبه صور قوافل الأرمن بالتوغل بالجبال ليلاً تحت وابل المطر الغزير، ومشيهم بالبرد في عتمة الليل ساعات إلى أن وصلوا إلى مشارف ضيعة قريبة من إدلب. وأثناء مرحلة الخروج لم ينج الأهالي من القذائف إذ تحدث أحد المهجرين عن قنبلة طالت إحدى الشاحنات التي تقلّ مئة وخمسين شخصاً معظمهم من النساء والأطفال، وقد وثّق شميط الانفجار بكاميرته ليظهر وحشية الإرهابيين فرغم احتمال الأهالي الناجين الجوع والعطش بالحافلات قبل وصولهم إلى حاجز مركز الجيش العربي السوري كما ذكر أحد المهجرين بقرابة ربع ساعة، دوى انفجار هائل بتفجير “فان” للخوذ البيض.
يعود شميط في المشهد الأخير إلى مراكز الإيواء ليمرر الكاميرا على وجوه الأبرياء الذين كانوا ضحية الإرهاب وليتوقف عند رجل يقول: “كيف استطاع المسلح أن يطلق الرصاص على طفل”؟ لينتهي الفيلم بجملة” تعدّ أزمة اللاجئين السوريين واحدة من أكبر وأعقد حالات الطوارئ الإنسانية على مستوى العالم”.
فيلم حكايا من الإيواء تُرجم إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية ليكون وثيقة تاريخية لما فعله الإرهاب في كل سورية، وسيشارك في المهرجانات الدولية.
رسالة سينمائية
وعن سبب تركيزه على منطقة الفوعة، بيّن شميط بأنها حالة مؤلمة جداً تظهر خداع المسلحين حتى بلحظة خروج الأهالي، ليصل إلى أن الحرب السورية قاسية وأن المهجرين يعيشون حياة مؤلمة، فنحن نتألم من شهاداتهم وصورهم لكنهم هم الذين عاشوا تفاصيل هذه الأحداث الموجعة. وأضاف بأن عدد المهجرين في سورية وصل إلى أحد عشر مليوناً مما يتطلب صناعة أفلام توثّق حقيقة الحرب السورية وحالات التهجير والتدمير ليصل صوت المهجرين إلى العالم فقضية المهجرين قضية إنسانية موجعة، والإرهاب لم يستثن أحداً وصل إلى كل المناطق من دير الزور حتى القنيطرة من الشمال إلى الجنوب، وأتمنى أن يصل فيلم حكايا من الإيواء إلى كل العالم ليعرف الجميع حقيقة ما جرى على أرض سورية.
ملده شويكاني