من مهّد الطريق أمام ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي؟
ترجمة: علاء العطار
عن موقع “لوب لوغ” 8/5/2018
أوفى دونالد ترامب بتعهد حملته الانتخابية بإلغاء الإنجاز الذي حقّقته سياسة أوباما الخارجية، وهو اتفاق متعدّد الأطراف يُقيد تخصيب إيران النووي -خطة العمل الشاملة المشتركة- مخالفاً بذلك نصيحة وزير دفاعه، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إد رويس، وأهم حلفاء واشنطن الأوروبيين الثلاثة، وما يقارب ثلثي الأمريكيين الذين يعتقدون أن على الولايات المتحدة ألا تنسحب من الصفقة، وفق استطلاع للرأي أجرته “سي إن إن”.
يبدو أن ترامب عازم تماماً على التراجع عمّا أنجزه باراك أوباما قدر ما يستطيع، إضافة إلى أن شخصيته التي تتّسم بالحمق الشديد قد تفسّر ما يفعله اليوم، ولكن قد يكون مفيداً اتباع النصيحة التي قدّمها المُخبر “ديب ثروت” الشهير للصحافيَّين بوب وودوارد وكارل بيرنشتاين والتي وردت في كتاب “كل رجال الرئيس”، خاصة في مستنقع الفساد الفادح المتمثّل بحقبة ترامب.
بالتأكيد، لا يحظى هذا الإعلان بشعبية، لكنه قد يكون هو بالضبط ما دفع من أجله اثنان من أكبر المتبرعين لترامب، شيلدون أديلسون وبرنارد ماركوس، وما دفع من أجله أحد أكبر داعمي خطابه الافتتاحي، بول سينغر، وقد حصل ماركوس وأديلسون، وهما عضوان في الائتلاف اليهودي الجمهوري، على مكاسب كبيرة من استثماراتهما هذه: دعم الولايات المتحدة لـ”إسرائيل” دعماً كاملاً، ونقل السفارة الأمريكية في “إسرائيل” إلى القدس، والتراجع الرسمي عن وصف الضفة الغربية والقدس الشرقية بـ”الأراضي المحتلة”.
كان أديلسون، بدوره، أكبر داعمي حملة ترامب الانتخابية، وساهم هو وزوجته ميريام بمبلغ 35 مليون دولار لانتخاب ترامب عبر الإنفاق الخارجي، و20 مليون دولار لصندوق قيادة الكونغرس (وهو صندوق مخصّص حصرياً لضمان أغلبية جمهورية في مجلس النواب)، و35 مليون دولار لصندوق قيادة مجلس الشيوخ في دورة انتخابات عام 2016.
ورغم أن ترامب كان قد اشتكى في السابق من أن أديلسون كان يسعى إلى جعل “ماركو روبيو” دميته الصغيرة المثالية، إلا أنه سرعان ما انقلب إلى صفّه وتبنى مواقف أديلسون المتشدّدة بشأن عملية السلام “الإسرائيلية- الفلسطينية” ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس بعد أن فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري وضمن دعم أديلسون.
وأفادت صحيفة “بوليتيكو” أن السطر الأكثر خطورة في خطاب ترامب الذي ألقاه في الأمم المتحدة في تشرين الأول الفائت -وهو أنه سيُلغي مشاركة واشنطن في خطة العمل الشاملة المشتركة إذا لم يخضع الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة لجهوده في بدء مفاوضات جديدة- قد أتى من جون بولتون مباشرة، وهو مستشار ترامب للأمن القومي، بدعم كامل من أكبر متبرع لترامب، فلم تكن هذه اللغة المتشدّدة موجودة في الملاحظات الأصلية التي أعدّها موظفو ترامب.
[تمت إضافة ذلك السطر إلى خطاب ترامب بعد أن تواصل بولتون، (رغم صدور مرسوم كيلي الأخير الذي يقيد وصول بولتون إلى ترامب)، مع الرئيس عبر الهاتف عصر يوم الخميس، حيث كان بولتون يزور لاس فيغاس مع شيلدون أديلسون، المتبرع الأكبر للحزب الجمهوري، وحثّ بولتون ترامب على تضمين سطر في ملاحظاته مشيراً إلى أنه احتفظ بالحق في إلغاء الاتفاقية بالكامل، وفقاً لمصدرين على دراية بالمحادثة].
من جانبه، دعا أديلسون إلى استعمال سلاح نووي ضد إيران كتكتيك تفاوضي وكتهديد بقصف طهران بالأسلحة النووية، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 8.8 ملايين نسمة، في حال لم تتخلَ إيران عن برنامجها النووي بالكامل.
وقال نيوت غينغريتش، وهو من أكبر المستفيدين من سخاء أديلسون المالي خلال حملته الرئاسية الفاشلة عام 2012: إن “إسرائيل” هي الهدف الرئيسي لدى أديلسون.
وأديلسون ليس الوحيد الذي يتبنّى مثل هذه الآراء المتطرفة بشأن إيران ويحظى بإنصات من الرئيس، أو على الأقل ليس وحده من يستخدم نفوذه المالي ليضغط على الرئيس.
كما ساهم مؤسّس شركة “هوم ديبوت”، برنارد ماركوس، وهو ثاني أكبر المتبرعين في حملة ترامب، بمبلغ 7 ملايين دولار أمريكي للجان العمل السياسي المستقلة المؤيدة لترامب، وبـ 500.000 دولار لصندوق قيادة الكونغرس، ومليوني دولار لصندوق قيادة مجلس الشيوخ.
وفي مقابلة أجرتها مؤسسة “فوكس بيزنيس” في عام 2015، وصف ماركوس خطة العمل الشاملة المشتركة بأنها كمن “يتعامل مع الشيطان”.
كما يشترك أديلسون وماركوس بعلاقة مشتركة مع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المتشدّدة، فقد تبرع أديلسون بما لا يقلّ عن 1.5 مليون دولار للمجموعة بحلول نهاية عام 2011 -وهو العام الذي شهد ارتفاعاً حاداً في التوتر والشائعات عن الحرب التي ستشنّها “إسرائيل” ضد إيران- وفقاً للكشف الضريبي عن الجدول الزمني لعام 2011 الصادر عن مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وساهم ماركوس بمبلغ 10.7 ملايين دولار على الأقل، وبذلك يكون أكبر متبرع للمجموعة.
وتقول مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن أديلسون لم يعد يساهم، ولكن ماركوس مستمر في التبرع بسخاء، حيث ساهم بمبلغ قدره 3.25 ملايين دولار في عام 2015.
وساهم الملياردير بول سينغر بما لا يقلّ عن 3.6 ملايين دولار حتى نهاية عام 2011، ما جعله ثاني أكبر متبرع للمجموعة بعد ماركوس آنذاك.
كان موظفو شركة سينغر “إليوت مانجمينت” ثاني أكبر مصدر للأموال في عام 2014 التي تدعم ترشيح السيناتور توم كوتن، وتبرّع سينغر بمبلغ 1.9 مليون دولار لصندوق قيادة الكونغرس وبمبلغ 6 ملايين دولار لصندوق قيادة مجلس الشيوخ، وكان ممتنعاً عن دعم ترشيح ترامب وقام بتمويل البحث الأولي الذي قامت به شركة “فيوجن جي بي إس” والذي تحوّل إلى ملف يُفصّل العلاقات المزعومة بين حملة ترامب وموسكو، ولكنه عاد إلى وعيه قبل تنصيب ترامب وساهم بمليون دولار في الاحتفالات.
وتجاوزت مساهمة هؤلاء الأثرياء الثلاثة الـ 40 مليون دولار في الأموال السياسية التي أُنفقت على دعم ترامب، وفي دورة عام 2016، مثّل هؤلاء الثلاثة أيضاً 44٪ من المساهمات الفردية في صندوق قيادة الكونغرس و47٪ من تلك التي تلقاها صندوق قيادة مجلس الشيوخ، وهي أكبر آليات تمويل حملات الإنفاق الخاصة بالجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ.
إن ترامب والحزب الجمهوري مدينان بشدة لأولئك الأثرياء المناهضين للصفقة الإيرانية والذين لا يخشون الحضّ على سياسات تدفع البلاد نحو حرب أخرى في الشرق الأوسط.
وقد يعطي قرار ترامب بالتراجع عن خطة العمل الشاملة المشتركة انطباعاً بأنه رئيس غدّار يُعارض الحكمة التقليدية ويتابع تنفيذ تعهدٍ غير مدروس في إلغاء ما أنجزه سلفه. لكن هناك تفسيراً آخر، وهو أن ترامب والحزب الجمهوري يرضخان فعلياً لمجموعة صغيرة من الأثرياء المتشدّدين المستميتين في إبعاد البلاد عن أي نوع من الوفاق مع إيران، بل وإبعادها حتى عن إبرام اتفاقية متعددة الأطراف تضمن الحدّ من التخصيب وتُلزم إيران بالسماح بعمليات تفتيش مفاجئة على منشآتها النووية، والاحتمالان واردان.