أسئلة وفواصل..
تبدو إشكالية الكاريكاتور وأسئلته لدى بعضهم شكلاً من أشكال تجليات العقل، فمن السهل الدفاع عن مشروعيته بلغة العقل كما يذهب (جاك دريدا).
ومادام الكاريكاتور يعتمد الحالات المتناقضة في المجتمع، يجوز لنا القول إنّ التفكيك في الفن يلغي القيود المفروضة على انفتاح النص، ولكن دون الانفصال عن الثوابت.
و ما ينشر من رسوم سياسية على نحو خاص، يقودنا لتشبيه الأمر بالأفواه الكبيرة والمساحات الصغيرة من البوح، أو العكس تماماً، وهذا ما يحيلنا إلى دوامة الرؤية.
فمنهم من يتحدث عن امتلاك ناصية الحقيقة الفنية الكاملة وكأنه صانعها ومالكها الشرعي والوحيد، غافلاً أو متغافلاً نسـبيتها في الواقع.
ومن يطرح نفسه ثقافة مضادة للفساد والقهر من خلال نسيج فني ساخر، لا يمارسه في أرض الواقع، وهذه ظاهرة متفشية. إذاً عن أي تفكيك ومساءلة نصية يتحدث بعضهم؟
رحم الله أحد الفلاسفة الذي وصّف سخريته بالقول: “إن أسلوبي في المزاح هو أن أقول الحقيقة”، وعندما يكون الشيء مُضحكاً، أبحث عن الحقيقة الكامنة وراءه.
فكثيراً ما نسمع أحاديث مضحكة تُصنّف ضمن فصيلة النطّ ما بين السطور، والرقص على حبال غير مُحكمة الأوتاد، واللهو بحوارات مسبقة الصنع أقرب ما تكون إلى مجموعة من الفقاعات الصغيرة، في منطق جديد، منطق(الرغوة) الذي جعلوا منه إطاراً فكرياً يحكمهم.
إذاً هو البحث عن الحقيقة، في طرح أسئلة التغيير في أبعاده المستقبلية ما وراء الأفق. فالسؤال دليل واضح على عمق السائل وأفقه، وهذا أمر بديهي.
نعم، قول الحقيقة ومن بعدها الحكمة، أسلوبان اتخذهما الفيلسوف المذكور سابقاً في سياق مزاحه. ولكن يستوقفنا ما قاله عندما استأثر أحد الصحفيين الذي جاء لمقابلته بالحديث كلّه، ولم يسمح له أن يتفوه بكلمة واحدة.
فقال: “لمّا انصرف الصحفي، سمحتُ له بنشر الحديث، بشرط أن يكتفي بما قلته، ويحذف كل ما قاله”.
وماذا بعد..؟
هنا، يبدو أننا انتقلنا من إشكالية السؤال الكاريكاتوري في تناقضات المجتمع وتغييره، إلى إشكالية الرؤية ودوامتها. ولكن رغم كل ما قيل ويقال، لايزال البحث جارياً عن الحقيقة.
ولكن، في أي فلك ندور..؟
وهل رسم الحذر هوةً فاصلة بين السين والجيم.. أم هي الشبهة المتوارثة والوقوف بعيداً عن لبّ الهدف..؟
الصورة كاريكاتورية بامتياز، تؤكد حقيقة تقمّص كلّ شيء، دون آلية عمل، وصولاً إلى مفارقات الإجابة عن جوهر كلّ ما يُخط وما يُرسم وما يُقال..وكأننا في عصر استقالة السؤال.
نقطة، من أول السطر.
رائد خليل