كيف يشاهد الكاتبُ عملَه بعد العرض؟
يُنجَزُ العملُ الدرامي ويُعرَض على الشاشة الصغيرة بعد أن تساهم في ولادته عدةُ أطراف، فالنص الذي يكتبه الكاتب على الورق يقوم المخرج بترجمته فنياً ضمن رؤاه الخاصة به كمخرج والتي من المفترض أن تنسجم مع رؤى الكاتب، بالرغم من أن بعض المخرجين يغردون خارج سرب النص ويقدمون ترجمة مختلفة عن ما يريده الكاتب الذي يحرص على متابعة عمله أثناء عرضه على الشاشة الصغيرة ليرى ما تُرجَم من نصه من قِبَل المخرج والممثل، ليكون السؤال: كيف يتابع الكاتبُ عملَه على الشاشة؟ هل يستطيع أن يتابعه كمشاهد عادي أم أنه لا يستطيع إلا أن يراقبه بعين الكاتب الناقد؟.
ملاحظة الأخطاء
تشير الكاتبة ديانا كمال الدين وهي التي تخوض اليوم أول تجربة لها في الدراما التلفزيونية من خلال مسلسل “وحدن” إخراج نجدت أنزور إلى أنها غير قادرة على مشاهدة المسلسل كمُشاهد، وكل ما تفعله طوال عرض الحلقات هو ملاحظة الأخطاء والتدقيق والتفكير بالاحتمالات الممكنة التي لو كانت موجودة لكانت النتائج أفضل، وبالتالي ترى أن عملية النقد الذاتي مستمرة بشكل قسري مما يفقدها المتعة بمشاهدة المسلسل، خصوصاً أنها لم تكن الكاتبة فحسب وإنما المخرج المنفذ وهذا ما يجعل التدقيق عندها يطال كلَّ جوانب العمل من ديكور وإكسسوار وملابس ومكياج وحركة ممثل وإضاءة وصوت.. الخ، وتعترف كمال الدين أنها اختلفت ككاتبة مع الأستاذ نجدت أنزور على كثير من التفاصيل أثناء تنفيذ العمل، وهذا الاختلاف قبل وأثناء التصوير وليس بعده وبالتالي فالنتيجة برأيها متفق عليها، وأكدت أن أنزور بتاريخه الطويل أصبح قادرا ليس فقط على ترجمة السطور إلى صورة، بل إلى ترجمة ما بين السطور وما خفي في روح الشخصيات وفكرها.
مهمة شاقة
وعن مسلسل “رائحة الروح” الذي يُعرَض حالياً للكاتب أيهم عرسان في أول تجربة تلفزيونية له يبيّن أن المسلسل قيد العرض حالياً، وهو يتابعه مع جمهور المشاهدين ككاتب وكمشاهد معترفاً أنها مهمة شاقة، وربما تكون شبه مستحيلة، فرغم محاولاته في أن يضع نفسه مكان المُشاهد العادي ليشاهد عمله إلا أنه ينتقل لاشعورياً إلى مكان الكاتب، مع إشارته إلى أنه بين الزاويتين ينساق مع بعض المَشاهد كمُشاهد عادي عندما تكون شحنة المشهد الدرامية عالية ومكتملة أدائياً وفنياً، وفي أحيان أخرى يعود إلى موقع الكاتب ليرى كيف عولجت حالةٌ درامية معينة، أو كيف سيظهر المشهد الذي يرى أن له أهمية كبيرة وهذا يتبع برأيه إلى حد كبير مكانة المشهد أو الحالة الدرامية من جهة، ومدى تماهي الشكل الفني والأدائي الدرامي للمشهد أو للحالة، منوهاً عرسان إلى أنه لم تتح له فرصة مشاهدة العمل في المونتاج، لذلك يستطيع القول ومن خلال متابعته للحلقات التي عُرِضَت حتى الآن راضٍ ككاتب إلى حدٍّ كبير عن الطريقة التي يجري بها تقديم العمل، موضحاً أنه والمخرجة خاضا حوارات طويلة قبل تصوير العمل، وقد لمس خلال هذه الحوارات التقاطها لرسالة العمل وإحساسها بنبضه وحماستها الكبيرة لإنجازه، ويبقى تعويل صنّاع العمل على أن ينال المسلسل إعجاب جمهور المشاهدين السوريين والعرب، وأن يرضي ذائقتهم، وكذلك أن يلقى قبولاً لدى الصحفيين والنقاد المهتمين بالدراما، موجهاً الشكر للممثلين الكبار الذين شاركوا في هذا المسلسل، لأن حضورهم وتجسيدهم لشخصيات العمل ساهم في إيصال رسالة العمل وفكرته، كما لا يفوته شكر المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي لاهتمامها وإنتاجها لهذا النوع من الدراما الذي ربما لا يجد له مكاناً دائماً ليتم تبنيه من قبل القطاع الخاص، مع إشارته لأهمية أن يكون للمخرج بصمته وتصوره الخاص لطريقة تقديم العمل، ولكن مع الحفاظ على روح النص وما ينضوي تحت هذا التعبير من دراما العمل الظاهرة والخفية والأسلوب الحواري الذي يميز نصاً عن آخر سواء كمنطوق أو كمعنى، منوهاً إلى أنه في تجربته “رائحة الروح” استطاع ومخرجة العمل أن يغرِّدا معاً بروح واحدة للتعبير عن رسالة العمل.. من هنا أكد أن العلاقة بين الكاتب والمخرج هي أهم علاقة من وجهة نظره ضمن العملية الفنية التي ينبغي أن تكون في الحالة المثالية حسب تصوره شراكة فنية كاملة، فلولا وجود نص يحمل قيمة ما لما قرر المخرج أن يدخل في هذه الشراكة، وكذلك فإن النص الدرامي يمكن اعتباره مرحلة من مراحل العملية الفنية، وبعدها وضمن إطار الشراكة الفنية ينطلق المخرج في العمل على إعطائه ما يمكن تسميته الاكتساء الفني، وبقدر ما تكون هذه الشراكة موجودة وفعالة يكون العمل سائراً ضمن المسار الذي يؤدي إلى النجاح.
قطعة من روحه
يتابع الكاتب جورج عربجي عمله على الشاشة بكل تفاصيل مَشاهده فيرى فيها أحياناً، ما يسعده وأحياناً ما يخيفه، مؤكداً أنه لا يمكن أن يتابع عمله أثناء العرض إلا ككاتب، موضحاً استحالة أن يتابع عمله كمُشاهد عادي وهو الذي يتابعه ككاتب ومخرج وممثل باحثاً عن ثغرات نصه وحسناته من أجل أن يرمم الثغرات في نص آخر، معززاً نقاط القوة فيه، كما يؤمن عربجي أن نجاح العمل الفني لا يتحقق إلا بتكامل كل العناصر الفنية، وأيّ ضعف في عنصر من العناصر سيؤثر سلباً على نجاح العمل، وعمله “روزنا” له خصوصية بالنسبة له فهو قطعة من روحه لأنه كتبه بطريقة راقية وبحوارات صحيحة ودقيقة وبانحياز كامل للإنسان والمواطن وعدم ترك الأرض والوطن، فالبيت في “روزنا” يمثل الوطن، ورسالة العمل هي الدعوة إلى عدم تركه، مبيناً أن ما يسعد الكاتب رؤية نصه وقد ترجمه المخرج بطريقة فنية جميلة، منوهاً إلى أن الحريص على عمله يتمنى دائماً الأفضل وهو كان يتمنى أن يُقدَّم “روزنا” بأفضل مما شاهده، وكذلك المخرج عارف الطويل لديه نفس التمني لأن ما من عمل يُنجَز بشكل كامل إلا أن المحاولة لتقديم عمل جيد كانت غاية الجميع، مع تأكيد عربجي على ضرورة أن يعترف المخرج بأن الكاتب شريك حقيقي، وعندما يتحقق الانسجام بينهما يبدو ذلك جلياً في الشكل النهائي للعمل.. من هنا يبيّن أن صداقة قديمة تربطه بالمخرج عارف الطويل إلا أنه يتعامل معه كمخرج لأول مرة وهو مع أن تستمر العلاقة بين المخرج والكاتب لآخر لحظة من إنجاز العمل، مع إيمانه ككاتب أن وجود عقلين يفكران أمر إيجابي، خاصة وأن المخرج قد تكون لديه رؤية أخرى من المهم اقتراحها على الكاتب، والكاتب إذا كان شخصاً منفتحاً وعملياً فسيتفاعل مع ما يقترحه المخرج إذا كان ذلك لصالح العمل دون التشبث بما كتبه بشكل أناني سعياً لتقديم ما هو أفضل ليبدو العمل في النهاية بالشكل الأفضل نتيجة هذه الشراكة الفنية، وأي عمل درامي يجب –برأي عربجي- أن يُقدَّم وهو يحمل رسائل ومقولات لأن الفن ليس للتسلية فقط، وأية جهة إنتاجية محترمة تبحث دوماً عن عمل لديه رسائله لتتبناه إذا كان معالَج بشكل صحيح، ثم تختار له مخرجاً لتقديمه برؤية فنية.
أمينة عباس