ثقافة

“أطويل طريقنا أم يطول”؟ سؤال من الواقع السوري المعاش

“أطويل طريقنا أم يطول” إنتاج المؤسسة العامة للسينما هو عنوان الفيلم الذي تضمن الاستفهام والسؤال لإجابة لانعرفها حيث أكد ذلك المخرج وكاتب السيناريو ريمون بطرس بالجملة الأخيرة التي كُتبت على الشاشة “وبلا نهاية للحكاية” وكما قال في بداية العرض الأول في صالة سينما كندي -دمشق فإن الفيلم لاينطلق من مفهوم ديني أو عقائدي وإنما من مفهوم وطني تحت شعار “تحيا سورية”.
ويمضي الفيلم الذي اشتغله المخرج على تيمة حبّ سورية وحبّ الإنسان للآخر وبُني على موقف وليس على قصة تتشعب أحداثها وتتصاعد وتيرتها بسرد حكاية بسيطة جداً،تنسحب على تبعات الأزمة وانعكاساتها على مجمل حياتنا اليومية (القتل – الخطف –التدمير – التخريب – الخلافات) التي تسربت رويداً رويداً إلى خلايا جسدنا،وغدت سوراً يطوقنا وهاجساً يؤرقنا.
تضمين التسجيلية
ينتمي الفيلم إلى نمط “الديكو –درامي” الذي يجمع بين الروائي والوثائقي لكن المخرج ذهب إلى أبعد من ذلك حينما ضمّن الفيلم الذي لاتتجاوز مدته أربعين دقيقةً الطابع التسجيلي أيضاً،بدا هذا واضحاً بظهور المخرج مع فريق العمل في بداية الفيلم وتوجيهه رسالة سينمائية إلى الشعب السوري بأن سورية ستبقى إلى الأبد رافضة كل الإملاءات الخارجية ومواجهة كل العمليات الإرهابية،وفي المشهد الذي أقحمه في منتصف الفيلم في مقهى نينار الذي يجمع الشباب –ويدل على استمرار المشهد الثقافي خلال سنوات الأزمة والذي لم يعد مرتبطاً بالأماكن الرسمية،ويشارك فيه المخرج مع فريق العمل الحاضرين في الأمسية الشعرية إيماءة أيضاً إلى جيل الشباب الذي يعتمد عليه في بناء سورية والتوجه الصحيح نحو القيم المثلى والمفاهيم الصحيحة.
الأمر اللافت الإيقاع البطيء للفيلم على خلاف الأفلام القصيرة التي تتصف بتكثيف الحدث والصورة البصرية، وقد تقصد المخرج ذلك بغية إشراك المشاهد بجمالية تعبيرية بصرية لجماليات شوارع دمشق وورودها وسمائها وصفائها،لأوتوستراد المزة الذي تقوم عليه الحكاية التي تدور حول عائلة مؤلفة من الأم (ناهد حلبي) والأب (تيسير إدريس) وولديهما فادي (عمر بطرس)وهنادي (هيا مرعشلي) يعودان بحالة اشتياق إلى الحياة المختلفة في دمشق بكل مفاصلها الجمالية والاجتماعية والنفسية،فتركع هنادي على ترابها داعية الله أن يحفظ سورية من كل أذى ويعيد الأمان إلى ربوعها،ومن مجريات الحكاية في الطريق إلى المنزل يتطرق المخرج إلى ملامح الأزمة بشكل مباشر من خلال تقنية دمج اللقطات عبْر تقنية المونتاج بإدخال صور التفجيرات وإشعال الحرائق،ويعتمدها أيضاً من خلال متابعة الأب والأم نشرات الأخبار،وبدت المشاهد التمثيلية قصيرة والحوارات مقتضبة لتتسع الصورة للإيقاع البصري الذي يظهر الصراع الداخلي للشخوص بين الاشتياق والخوف والحلم،كما في المشهد الذي تحلم فيه هنادي بأن تتعمد بمياه بحرة ساحة الأمويين التي تعرضت للاستهداف عدة مرات يشاركها الحلم فادي الذي يعزف على الكمان ويسافر بألحانه الرقيقة الموحية إلى حلم عودة سورية كما كانت وفي الوقت ذاته تطرح متسائلةً إلى متى؟ومتى تنتهي الأزمة؟
ومضات خاطفة
ومن خلال مجريات الفيلم يركز المخرج على لوحة بانورامية للنسيج الاجتماعي الملوّن قي سورية وعلى التلاحم الديني من خلال لقاء أصدقاء الجامعة وظهور الفتاة المحجبة مع الفتاة التي تضع الحجاب بطريقة الريفيات إلى الفتاة (هنادي)التي تريد أن تتعمد وجاءت من نهر العاصي “جئتكم لأقبل كل قطرة ماء من نهر العاصي،من حمص التي شهدت أهوال الحرب إلى كل منطقة من جغرافية سورية،وهنا يلجأ المخرج بحرفيته إلى الرمزية بقيمة فنية عالية بما يشبه الومضات الخاطفة كما في المشهد المقتضب الذي يختزل الواقع الدائر حينما يختلف فيه الصديقان بين موال ومعارض،ويأتي دور فادي الذي يشير إلى المصالحة الوطنية والبعد عن الأفكار التي تدعو إلى الخلاف. انتهى الفيلم بشيء يشبه القفلة المدهشة في عالم القصة القصيرة حينما يصر الوالد على سفر ولديه وعودتهما إلى بيروت بعد حادثة اختطاف صديقتهما أميمة من منطقة باب شرقي،فتأتي المفاجأة باتصاله بهما وإصراره على عودتهما عند آخر حاجز سوري قبل الدخول للأراضي اللبنانية كرسالة موجهة بمباشرة إلى أبناء الشعب السوري ليعودوا إلى الوطن الجريح ولمس يده بحنان حتى تلتئم جراحه.
مصداقية السينما السورية
وعلى هامش الفيلم ربط المخرج بين عنوانه المقتبس من شطر بيت شعر للمتنبي قاله قبل ألف عام وبين بعض الحوارات التي تحدث بها الأبطال باللغة العربية الفصحى بعيداً عن اللهجة الشامية المحكية،وبدت قدرة الفنانة ناهد حلبي على تلوّن أدائها وتغييرها الخطّ الدرامي للشخصية من لون المرح أثناء لقاء ولديها إلى قلقها واستيائها مما يحدث أثناء متابعة نشرات الأخبار إلى نظراتها المتلهفة لزوجها وهو يتصل بولديه وانتظارها طلب عودتهما بصمت.
ملده شويكاني