المخاطر على أوروبا في النزاع حول اسم “مقدونيا”
ترجمة: عناية ناصر
المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية 14/6/2018
يمكن للاتحاد الأوروبي من خلال دعم مقدونيا واليونان بشكل فعّال لتسوية نزاعهما، دفع دول أخرى في غرب البلقان للانخراط في إصلاحات ديمقراطية، وفي الوقت نفسه تعزيز توقعات النمو الاقتصادي فيها. تحدّت مقدونيا واليونان الصورة النمطية التي تقول إنه لا يتأتى من البلقان سوى الأخبار السيئة. فبعد 27 عاماً من المفاوضات المتوترة بقيادة الأمم المتحدة، اتخذ البلدان خطوة مهمّة نحو حل نزاعهما حول اسم مقدونيا، فاتفق رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس ونظيره المقدوني، زوران زاييف، على تغيير الاسم الرسمي للبلد إلى جمهورية مقدونيا الشمالية. وفي المقابل، ستسمح اليونان لجارتها بالتقدم بطلب الانضمام إلى “الناتو” وفتح مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. لقد أظهرت هذه الخطوة في حقبة السياسات الشعوبية قدرة دول البلقان على حلّ المشكلات القائمة منذ زمن طويل من خلال التفاوض. ومع ذلك، لكي تصبح الاتفاقية أكثر من مجرد دلالة إيجابية، يجب على أوروبا أن تدرك آثارها المهمّة على البلقان والقارة الأوسع.
فلطالما حرم النزاع حول الاسم انضمام مقدونيا إلى عضوية حلف “الناتو” والاتحاد الأوروبي، مما خلق حالة من عدم اليقين المستمر جعلت المجتمع المقدوني هدفاً سهلاً للاستراتيجيات السياسية القومية. وبعد فشل محاولة مقدونيا الانضمام إلى عضوية حلف “الناتو” عام 2008، بدأت حكومة رئيس الوزراء آنذاك، نيكولا غروفسكي، زعيم المنظمة الثورية المقدونية – الحزب الديمقراطي من أجل الوحدة الوطنية المقدونية- استغلال الشعور بالعزلة في السنوات التي تلت ذلك، فبدأت مقدونيا بالتراجع عن الإصلاحات الديمقراطية بعدما فقدت آمالها في التكامل الأوروبي، والأوروبي الأطلسي.
تحاول الحكومة الجديدة في سكوبي بعد وصولها إلى السلطة في أيار 2017، تغيير هذا المسار، وبالتالي خلق فرص جديدة للبلاد وللبلقان وكل أوروبا. وقد ساهمت معاهدة الصداقة بين مقدونيا وبلغاريا في هذا الجهد منذ أن تمّ التوقيع في كانون الثاني 2018، فازدادت التجارة الثنائية بين البلدين بمعدل سنوي قدره 11 في المائة في الأشهر الستة التالية. واستناداً إلى التحسينات التي أدخلت على علاقتهما، رحبت وزارة الخارجية البلغارية بحرارة باتفاق سكوبي وأثينا بشأن “مقدونيا الشمالية”. وهذا ما غيّر فعلياً موقف بلغاريا، الذي كان يرفض وجود اسم يتضمن قيداً جغرافياً.
من خلال فتح آفاق العضوية لمقدونيا، يمكن للاتحاد الأوروبي دفع دول أخرى في المنطقة للمشاركة في الإصلاحات الديمقراطية، وفي الوقت نفسه تعزيز توقعات النمو الاقتصادي فيها. وهذا من شأنه أن يضغط على صربيا وكوسوفو لحلّ نزاعهما حول وضع الأخيرة، خشية أن يبقى مواطنوها أسرى لإستراتيجية سياسية متخلفة. وعلاوة على ذلك، يمكن لحل مشكلة نزاع اسم مقدونيا أن يخلق زخماً لفتح مفاوضات مع ألبانيا بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي، مما يساعد في التغلب على معارضة فرنسا وهولندا. وعلى الرغم من أن هذه العضوية قد تبدو بعيدة المنال بالنسبة لدول البلقان -وإن لم تكن بعيدة تماماً كما هي بالنسبة لتركيا- فإن التفاوض مع الاتحاد الأوروبي هو عملية ممنهجة تعتمد القواعد الأوروبية في المناطق التي تتبنى قوانين الاتحاد الأوروبي.
يوجد حالياً عشرات النزاعات الثنائية أو الإقليمية أو الحدودية في غرب البلقان، وحلّ أحدها المتعلق باسم بلد ما، مهم من الناحية الرمزية، وسيكون نموذجاً قوياً للآخرين لاتباعه.
إن النزاع حول الاسم هو أيضاً أمر أساسي في محاولات لمواجهة روسيا، التي يرون في غرب أوروبا أنها تنظر في المقام الأول إلى البلقان كساحة لإزعاج الغرب، ومع ذلك، فإن هذه المخاطر العالية هي التي جعلت الاتفاق ممكناً، بوضع الحكومتين المتفاوضتين في موقع الضعف سياسياً. ومن المحتمل أن يؤدي الفشل في تنفيذ الاتفاق إلى إنهاء فترة تولي زئيف المؤيد للإصلاح كرئيس للوزراء، مما يؤدي مرة أخرى إلى استنزاف القوة من الدوائر المؤيدة لأوروبا في مقدونيا. وبالمثل، إذا نجحت الاتفاقية ولم يقدّم الاتحاد الأوروبي أي تنازلات بشأن مشكلات الديون اليونانية، فقد يواجه تسيبراس مصيراً مماثلاً.
لا يمكن تنفيذ الصفقة إلا إذا قام زاييف وتسيبراس بتأمين دعم كبير لها في الداخل، إذ يحتاج كلاهما إلى ثلثي أعضاء البرلمان للتصديق عليه. وفي حالة مقدونيا، من المحتمل الموافقة في استفتاء. يمكن أن يأتي الالتزام الأوروبي هنا من خلال حزب الشعب الأوروبي (EPP)، وهو مجموعة المظلة الرئيسية للأحزاب الأوروبية اليمينية، فأحزاب المعارضة الرئيسية في مقدونيا واليونان VMRO-DPMNE، والديمقراطية الجديدة على التوالي أعضاء أساسيون في حزب الشعب الأوروبي. لقد نظروا إلى أنهم يرون الصفقة بين زئيف وتسيبراس من خلال مصالحهم السياسية الداخلية فقط، وعلى هذا النحو لم يرغبوا في تقديم تنازلات بشأن هذه القضية. ولذلك يجب على حزب الشعب الأوروبي أن يقنع أعضاءه بأن مخاطر النزاع على الاسم أكبر بكثير من تلك الخاصة بالانتخابات القادمة في مقدونيا واليونان. فمع دورة جديدة من الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي تبدأ في أيار 2019، قد يمر عقد أو أكثر قبل أن تتاح فرصة أخرى لحلّ الخلاف.