في عُمر الإدارة..!
بدا التّرحيب الشّعبيّ بالمرسوم 214 لعام 2018 القاضي بتحديد السّادس عشر من أيلول المقبل موعداً لإجراء انتخاب أعضاء المجالس المحليّة جليّاً لمتابعي الشّأن العام؛ والذي أعاد إلى الذّاكرة مشاهد التّهليل والغبطة -منذ نحو عام- بحلّ العديد من مجالس المدن والبلدات المترهّلة، أو الغارقة في رمال الفساد المتحركة، والتي تمخّضت عن جولات ميدانيّة آنذاك لرئيس الحكومة وبعض الطّاقم الحكومي، على بعض ميادين الخدمات والإنتاج، في مدننا وأريافنا، في مفاصل إدارية شديدة التّماس مع الجمهور؛ والتي لطالما وُسمت بالتّرهل والتّراخي حيناً، وبانفصامها عن قضايا الناس وانغماسها في مصالحها الذّاتيّة أحياناً..!
بيد أنّ التّفاؤل بالتّغيير المشروع والمنشود؛ ما لبثت تعتري حامله الشّعبيّ الخشيةُ من أن يخبو نوره، أويحتضر سراجه في دياجير بعض السّلطات المحليّة الوصائيّة، القابضة على حقوق التّرشيح البديل، ولاسيما منها تلك التي لم تتلقف إشارات الإصلاح بجديّة، أو تلك التي لم تتماهَ بعد مع آليات التّغيير وميكانزمات التحديث والتّطوير؟!
تفاؤل فتح بيكار النّقاش واسعاً، وللمرة الألف حول الصّيغة الأمثل والأنسب لعمر الإدارة، في ضوء حقائق لا يخامرها شكٌّ بأنّ كثيراً من إداراتنا العامّة والفرعيةّ: مأزومةٌ بمديريها، وأنّ ثمّة مديرين عامّين أو فرعيين قضوا عمراً مديداً في مواقعهم، على الرّغم من حجم الارتباك الذي يغلّف أداءهم، والتكلّس الذي يطبع ذهنيتهم، وأسلوب إدارتهم، وكمّ الغبار الذي يلفّ فضاءهم، وباتوا بعدما استنفدوا الرّصيد المعنوي والمادّي للدّولة والنّظام العام -بدلاً من أن يضيفوا إلى هذا الرّصيد- حمولةً زائدة بكل ما في الكلمة من معنىً على مركب الدّولة والمؤسسات.
ولعلّ من الموضوعيّة -وللمرة الألف أيضاً- استحضار التّجربة الناجحة المطبّقة في جامعاتنا والتي قنّنت عُمر الإدارة وحدّدته لرؤسائها ونوابهم وعمداء الكليات ونوابهم ورؤساء الأقسام بسنتين قابلتين للتّجديد لمرّة واحدة فقط، ومن الإنصاف القول إنّ أربعة أعوام -في حال التجديد- كافية لاستجلاء أيّة طاقة كامنة أو كفاءة شخصية؛ والإفادة منها وترقيتها إلى موقع أعلى في حال تميّزها. ولمُعترضٍ أن يُحاجّ: إنّ الإدارة -أنّى كانت – ليست أسمى من عضوية مجلس الشعب المقنّنة بأربعة أعوام، وليست أرفع مقاماً من عضوية النقابات والمنظمات المُحدّد عمرها بخمسة أعوام، أو حتى من المكاتب التنفيذية لمجالس المحافظات والمدن والمُقنّن عمرها أيضاً بأربع سنوات.
والحال؛ وبدلاً من أن تُجشّم الحكومة نفسها عناء النّظر الدّائم في المناصب الإدارية ومفاصلها بمختلف مستوياتها؛ أن توفّر الجهد وتقوم باجتراح تشريع يُقنّن بدّقة وموضوعيّة عُمر إداراتنا العامّة والفرعية على اختلافها؛ درءاً للفساد الإداري وأخواته، وحلّاً لمعضلة “الإدارة المزمنة”! ولاسيّما الخدميّة منها المتربّعة على خطّ التّماس مع الجمهور، والتي عشّشت في مفاصل بعضها عناكب البيروقراطية المقيتة، و كست طحالب الفساد يافطات بعضها الآخر، على الرّغم مما تحمل من شعارات -كانت برّاقة ذات يوم- من طبيعة: “تبسيط الإجراءات” و “اختصار الورقيات” وغيرها مما تُسرّ به عين النّاظر، وتطرب له أذن السّامع، وأمست -بكل أسف- مُجرّد أحبار على جدران مُدّعي الشّفافية. فضلاً عمّا تقتضيه سيرورة الحياة من ضرورة ضخّ الدّماء الشّابة في الجسم الإداري، تجنّباً للشيخوخة الإدارية؛ بما هي من نتيجة حتميّة لصيرورة الأشياء المرتبطة بالإنسان كمحور لنشاطها، والآيلة إلى التّرهل والاسترخاء السّلبي، وإفساحاً في المجال لطاقات وكوادر جديدة، وما تستولد من حثّ على المبادرة وحضّ على الإبداع، ناهيك بملامسة تطلّعات الجمهور المشروعة إلى الإصلاح والتّغيير..!
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com