رغم تأكيدات عديدة بإتمام الإفراج عنه قريباً جداً! مشروع قانون الاستثمار العتيد في “نسخته النهائية”.. فهل تكون “الثالثة ثابتة”؟!
على مدار سنوات عديدة، وتبدل وزراء ومديرين وإدارات، سمعنا أكثر من تأكيد منهم، بأن قانون الاستثمار العتيد قاب قوسين أو أدنى، ومرت الأعوام مسرعة، فلا قانون ولا هم يحزنون..! وكان آخر تأكيد سمعته “البعث” بـ (أن القانون سيظهر للنور قريباً، وتحديداً خلال ستين يوماً لا زيادة ولا نقصان) جاء على لسان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك نفسه (وليس من وزير الاقتصاد كونه رئيس مجلس إدارة هيئة الاستثمار السورية) وذلك خلال فعاليات معرض دمشق الدولي الماضي 2017.
واليوم وبعد مضي ما مضى، وبعد أن أدلت كل الجهات من وزارات وهيئات بدلوها في مضمون مواد مشروع القانون الجديد، الذي انتهت منه الإدارة الجديدة لهيئة الاستثمار السورية – قبل أكثر من شهر – وبمشاركة الأطراف المعنيين في القطاعين العام والخاص مؤخراً، وبعد أن عالجت المقترحات وأنجزت التعديلات التي طرحتها تلك الجهات، اليوم ها هو القانون العتيد بمسودته النهائية جاهز بحسب ما أفادنا به مصدر استثماري مطلع.
ومع أن التشكيك أصبح متلازمة لنا في مثل هكذا قانون كما غيره من القوانين العتيدة، فحقيقة لا ندري، هل سيُكتب لهذه المسودة النجاح في الوصول إلى المرحلة النهائية ويصدر القانون؟! ويحدونا الأمل بألا يكون هناك من يُعطل أو يضع العصي بالعجلات، رغم كل ما بيناه أعلاه، لأنه بعد ذلك، سنصدق ذلك “الراعي وقصته مع الذئب”..!
إذاً القانون في مسودته النهائية مكتمل وجاهز، أي ليس لأية جهة حجة عليه، بعدما أخذت الهيئة برأيها وقدمت ما رأت فيه تصوبياً وصواباً.
ويستثنى من أحكام المشروع بموجب مسودته –التي حصلت “البعث” على نسخة منها- كلاً من مشاريع التشاركية بين القطاعين العام والخاص المحدثة وفقاً لأحكام قانون التشاركية رقم 5 الصادر عام 2016، ومشاريع الاستثمار المالي والمصرفي. وتطبق أحكام هذا القانون على الجهات المرخصة بموجب المرسوم رقم 43 لعام 2005 وتعديلاته العاملة في مجال التأمين وإعادة التأمين وباقي المكونات العاملة في القطاع التأميني واستثماراتها. ويجوز للمجلس الأعلى للاستثمار السماح بتأسيس شركات استثمارية لاستثمار فوائض مكونات التأمين وفق الأسس التي تضعها هيئة الإشراف على التأمين.
ضمانات
الآن نأتي للضمانات الاستثمارية التي احتواها مشروع القانون، أن ثمة شيئاً مختلفاً يتمثل بضمان الحكومة السورية للمستثمرين كافة، وتكافؤ الفرص والمساواة والمعاملة العادلة بين جميع المستثمرين، وعدم التمييز فيما بينهم من حيث الحقوق والواجبات والمزايا والحوافز. وحرية الاستثمار ومنع الاحتكار في مختلف القطاعات والأنشطة. كما تضمن عدم المصادرة أو نزع الملكية أو الحد من التصرف في ملكية المشروع وعائداته. وعدم إلقاء الحجز الاحتياطي على أصول المشروع إلا بموجب قرار قضائي، باستثناء الحالات التي تطبق عليها أحكام قانون جباية الأموال العامة. وكذلك عدم إصدار قرارات وتعاميم وبلاغات من أية جهة عامة تعوق تنفيذ المشروع أو استمرارية عمله خلال مرحلة تأسيس المشروع. وأيضاً عدم إلغاء إجازة الاستثمار و/أو سحب تراخيص وموافقات المشروع و/أو إيقاف تخصيصه بالعقارات إلا بعد إنذار المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه وإعطائه مهلة 60 يوماً لإزالة أسباب المخالفة.
حوافز استثمارية
أما فيما يتعلق بالمزايا والحوافز الاستثمارية، فتؤكد المسودة استفادة المشروعات الاستثمارية الحاصلة على إجازة الاستثمار والخاضعة لأحكام هذا القانون من التخفيض على ضريبة الدخل على الأرباح الصافية بمعدل 25% لمدة خمس سنوات يبدأ من تاريخ التكليف الضريبي. ويجوز بقرار من المجلس بناء على اقتراح مجلس الإدارة زيادة نسبة التخفيض الضريبي حتى 100% ولمدة أقصاها سبع سنوات تبدأ من تاريخ بدء الإنتاج أو التشغيل أو بعد انتهاء فترة تأسيس المشروع أيهما أسبق لأي للمشاريع المحددة في الخارطة الاستثمارية، ولمشاريع تجهيز ومعالجة وتصنيع الصادرات على ألا تقلّ نسبة المكوّن المحلي فيها عن 40% أو نسبة القيمة المضافة عن 30%، وللمشاريع التي تستخدم آلات وتجهيزات صناعية ذات تقنية عالية لم يسبق أن استُثمرت في سورية، ولتلك المنتجة للآلات والتجهيزات والتكنولوجيا وخطوط الإنتاج التي تحتاجها الأسواق المحلية، وللمشاريع التي تعمل في تطوير تطبيقات صناعية ذات تقنية عالية، وكذلك لمشاريع البحث العلمي وبراءات الاختراع، وللمشاريع التي تطوّر وتنتج وتوفّر وتعزّز استخدام تقنيات وتطبيقات الطاقات الجديدة والمتجدّدة، وأيضاً للمشاريع السياحية.
حزم خاصة..
ويمتلك المجلس الأعلى بناءً على اقتراح مجلس إدارة الهيئة، حق منح حوافز خاصة إضافةً لما هو وارد آنفاً للمشروعات الاستثمارية، في القطاعات والمشاريع ذات الأولوية، والصناعات الزراعية والغذائية التي تقام بالمناطق الريفية، والاستثمارات المكثّفة للعمالة التي تستخدم 100 عامل فأكثر، ومشاريع المناطق الاقتصادية الخاصّة، ومشاريع تجهيز ومعالجة وتصنيع الصادرات على ألا تقلّ نسبة القيمة المضافة فيها عن 50%، وإقامة وتشييد مشاريع الإسكان (مناطق وتجمعات سكنية) لذوي الدخل المحدود، والنقل المبرّد والشحن وترانزيت البضائع وإقامة وتطوير مراكز الخدمات اللوجيستية، وإعادة استخدام الأنقاض وجمع ومعالجة وتدوير النفايات، وتنمية المناطق السياحية الأثرية، ومقاومة التلوث وتخفيض الانبعاثات الغازية وحماية البيئة، إضافة إلى أية مشاريع استثمارية أخرى تقترحها الهيئة ويوافق عليها المجلس.
من تلك الحوافز الخاصة التي ستُمنح لتلك المشاريع، تطبيق طريقة القسط المتناقص عند احتساب اهتلاك الأصول الثابتة، وحسم نسبة من اشتراكات التأمينات الاجتماعية التي يتحملها المستثمر ربّ العمل، ومنح المشروعات “تخفيضات على” أو “إمكانية تقسيط فواتير” تعرفة بعض الخدمات العامة طبقاً لحساسية ربحية المشروع لهذه التكاليف، وتقديم تسهيلات تسويقية أو تسهيلات ائتمانية بضمانة أصول المشروع وعائداته، وأيضاً تقديم أراضٍ وعقارات مملوكة للدولة من دون مقابل أو بأسعار مخفّضة لا تتجاوز نصف القيمة السوقية المقدّرة لتلك الأراضي والعقارات، وفوقها تقديم البنى التحتية الأساسية، إضافة إلى أية حوافز خاصة أخرى تقترحها الهيئة ويقرّها المجلس.
كما أنه بموجب حزم التحفيز الخاصة، يحق للمجلس السماح للمشاريع الصغيرة الحاصلة على إجازة استثمار أو المشاريع المتضررة المشمولة بموجب أحكام القانون رقم 10 لعام 1991 والمرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2007 باستيراد الآلات وخطوط الإنتاج الصناعية المستعملة والمجددة باستثناء الصناعات الدوائية وأغذية الأطفال والكيميائية، وفق ضوابط فنية تحددها الجهات المعنية. بينما تعفى مستوردات الآلات والتجهيزات وخطوط الإنتاج الجديدة وغير المجددة حصراً ووسائل النقل غير السياحية من جميع الرسوم الجمركية والمالية وغيرها، شريطة استخدامها حصراً لأغراض المشروع.
ما للمستثمر..
كما يتضمن المشروع فصلاً خاصاً بإحداث المناطق الاقتصادية يراعي إصدار نظام الاستثمار الخاص بهذه المناطق بقرار من رئيس مجلس الوزراء. وتنقلنا المسودة التي وصفت بالنهائية، إلى حقوق المستثمر وواجباته، إذ يحق له تملك واستئجار الأراضي والعقارات اللازمة لإقامة المشروع أو توسيعه ولو تجاوزت المساحة سقف الملكية المحدد بموجب القوانين النافذة. كما يحق له فتح الحسابات المصرفية لصالحه وصالح مشروعه بالليرة السورية والقطع الأجنبي لدى المصارف المرخصة، والاقتراض لصالح مشروعه بالليرة السورية والقطع الأجنبي (من المصارف المحلية والمصارف الأجنبية) وفق أحكام القرارات الصادرة عن مصرف سورية المركزي لهذه الغاية، وتحويل الأرباح التي يحققها من استثمار المشروع وحصيلة التصرف بحصته من المشروع إلى الخارج، بعد تسديد الالتزامات المالية وتدقيق الميزانية الختامية، وفق التعليمات التي يضعها مصرف سورية المركزي، وتسديد الالتزامات المترتبة على المشروع بالقطع الأجنبي تجاه الخارج عن طريق أحد المصارف بموجب وثائق تثبت صحة هذه الالتزامات، وبعد إعلام الجهة التي يقع المشروع ضمن قطاعها في حال فرضت القوانين الناظمة للقطاع مثل هذا الإجراء.
ويحق للمستثمر أيضاً في حال عدم تنفيذ مشروعه أو وضعه قيد الاستثمار خلال المدة المحددة في إجازة الاستثمار، أو في حال عدم استكمال تنفيذه لأسباب خارجة عن إرادته إعادة تصدير الآلات والتجهيزات وأية موجودات عينية تم استيرادها لغاية تنفيذ المشروع، وإعادة تحويل المال الخارجي الذي تم إدخاله لتمويل المشروع عن طريق المصارف المرخصة. ويحق للمستثمر إدخال التجهيزات والمعدات اللازمة لتركيب الأصول الثابتة اللازمة للمشروع والتي لا تعد جزءاً منه إدخالاً مؤقتاً ولمدة لا تتعدى فترة التأسيس.
وضع العمالة
ولحظ المشروع تسهيلات أمام المستثمر لتأمين العمالة لاستثماراته، إذ يحق له الحصول على تراخيص إقامة للعامل ولعائلته طوال سنوات تأسيس وتشغيل المشروع، وعلى ترخيص عمل طوال سنوات تأسيس وتشغيل المشروع، وتراخيص عمل وإقامة للعمال والخبراء والفنيين الأجانب. كما يحق للعمال والخبراء والفنيين غير السوريين تحويل 50% من أجورهم وتعويضاتهم الشهرية بالإضافة إلى 100% من تعويض نهاية الخدمة إلى الخارج عن طريق أحد المصارف المرخصة، على أن تراعى أحكام قانون العمل النافذ وتعليماته في إجراءات استقدام وتشغيل الخبراء والفنييّن الأجانب ومنحهم التراخيص واستيفاء البدلات والكفالات النقدية. ويحق لمجلس الإدارة تجاوز الحدود المسموح بها لنسب استخدام العمالة الأجنبية بناء على اتفاق الهيئة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بحيث يتم وضع خطة إحلال بين الطرفين للوصول إلى النسب القانونية خلال فترة زمنية لا تتجاوز ثلاث سنوات.
ما عليه..
في المقابل حدد مشروع القانون ما يتوجب على المستثمر من تقديم دراسة الجدوى الاقتصادية والفنية للمشروع، وأخذ موافقة الهيئة في حال التنازل عن المشروع أو عن جزء منه، والتأمين على المشروع بكافة مكوناته لدى إحدى شركات التأمين المرخص لها العمل في الجمهورية العربية السورية وبموافقة هيئة الإشراف على التأمين، ومسك حسابات للمشروع وفق المعايير المحاسبية المتعارف عليها، وتزويد وزارة المالية والهيئة بنسخة من البيانات المالية الختامية بعد اعتمادها من محاسب قانوني معتمد، والالتزام بالقوانين والأنظمة السورية النافذة بما فيها المتعلقة بالأمن والنظام العام وقمع التهريب، وقوانين العمل والتأمينات الاجتماعية والصحة وحماية البيئة واحترام الآداب العامة.
وتلغى إجازة الاستثمار بحسب مسودة القانون في حال لم يقم المستثمر بأي إجراء جدّي للمباشرة بالمشروع خلال فترة سنة من تاريخ صدور الإجازة، أو لم يستكمل التنفيذ خلال مدة ثلاث سنوات، وتغيير هدف ونطاق عمل ومخرجات المشروع، بينما يعلق العمل بإجازة الاستثمار عند الامتناع عن تقديم أية معلومات أو بيانات أو وثائق تطلبها الهيئة.
النزعات الاستثمارية
المختلف في هذا الشأن ولعله الأول من نوعه، تناول مشروع القانون لمسألة “تسوية النزاعات الاستثمارية”، حيث ينص على أن يتم فضّ المنازعات الاستثمارية باستثناء الضريبية التي تنشأ بين المستثمر والجهة العامة بالطرق الودّية، وإذا لم يتم التوصل إلى حل ودي خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم إشعار خطي للتسوية الودية من قبل أحد الطرفين للآخر، يحق لأي منهما اللجوء إلى إحدى الطرق إما عن طريق التحكيم التجاري الداخلي، وإما المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ” ICSID” ، وإما لجنة فضّ المنازعات الاستثمارية بالهيئة.
وتضمن المشروع تشكيل لجنة ذات طابع قضائي مقرها الهيئة تختص بفضّ المنازعات الاستثمارية التي تنشأ بين المستثمر والجهة العامة مؤلفة من (قاضٍ تجاري يسمّيه وزير العدل رئيساً – ممثل عن الهيئة يسميه مدير الهيئة عضواً- ممثل عن غرف التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو السياحة حسب الاختصاص)، على أن تجتمع اللجنة بدعوة من رئيسها وتفصل فيما يعرض عنها من منازعات بقرار معلل خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم طلب فض النزاع، ويكون قرارها قابلاً للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا خلال مدة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور القرار وتصدر المحكمة الإدارية العليا قرارها خلال مدة ستين يوماً من تاريخ أول جلسة تنعقد فيها الخصومة.
أبقى على..
وتخلص المسودة النهائية على جملة من الأحكام العامة أهمها أن يستمر أي مشروع أُحدث وفق أحكام المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2007 بالاستفادة من المزايا والحوافز والتخفيضات التي منحت له وبالشروط الواردة فيه، بينما يخضع المشروع المُحدث وفق أحكام القانون العتيد إلى أحكام قوانين الشركات والتجارة والمنافسة ومنع الاحتكار وبما لا يتعارض مع أحكام هذا القانون، وأخيراً ينهى العمل بالأحكام والنصوص المخالفة لهذا القانون.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com