المضي قدماً في جو مسموم
عن موقع “فالداي” 20/7/2018
ترجمة: علاء العطار
كان من الممكن أن تكون قمة هلسنكي ناجحة، فمن الواضح أن كلا الزعيمين أرادا أن تسير المحادثات على ما يرام، وأن يكون بمقدورهما الإبلاغ عن أنهما اتخذا الخطوات الأولى نحو إصلاح العلاقة المتدهورة بين البلدين، وخلال اللقاء الذي دام ساعتين، بدا أنهما تطرّقا لجميع القضايا التي تهمّ أحد الطرفين أو الآخر -أوكرانيا وسورية والصفقة النووية الإيرانية، ومراقبة الأسلحة النووية، والتدخل في الانتخابات، والإرهاب.
لم يوحِ شيء بأنهما طرحا أفكاراً محدّدة من شأنها أن تُغيّر الوضع المتجمد الذي يحيط بهذه القضايا، والبيان المشترك المكوّن من صفحتين والذي أعدّه الجانب الروسي قبل الاجتماع حيال مجالات التعاون المحتمل لم يفضِ إلى شيء، ولكن طُرحت بعض الأفكار، بما في ذلك تلك التي قد تؤدي إلى إتاحة بصيصٍ صغيرٍ من الأمل، إذا ما قُلصت بعض الشروط المسبقة المرفوضة، وبالنظر إلى قلقهما المشترك بشأن الإرهاب، حثّ الرئيس بوتين على إعادة إحياء مجموعة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب، وبدا أن كل طرف يصارع الآخر ليقنعه بأن السبل التي اتخذتها بلاده بإمكانها أن تقلّل من خطر نشوب صراع بين “إسرائيل” وسورية، وقبل الاجتماع وأثناءه، أبدى الجانب الروسي استعداداً للالتزام بتمديد اتفاقية “نيو ستارت” لمدة خمس سنوات عندما تنتهي في عام 2021، وأقرّ الزعيمان بالحاجة إلى العثور على طريقة لإنقاذ معاهدة القوات النووية متوسطة المدى. وفيما يتعلق بمسألة التدخل بالانتخابات، اقترح بوتين أن يقارن خبراء من كلا الجانبين الأدلة على مثل هذا النشاط السيبراني، واتفقا من حيث المبدأ على إنشاء “مجموعة عمل رفيعة المستوى” تضمّ بينها مدراء تنفيذيين لاستكشاف السبل المحتملة للتعاون الاقتصادي بالرغم من نظام العقوبات الحالي.
ومن البيِّن أنهما ناقشا أيضاً مقترحاً روسياً لإنشاء “مجلس خبراء” يضم “علماء سياسيين ودبلوماسيين بارزين وخبراء عسكريين سابقين” لمناقشة الأسباب الكامنة وراء انعدام الثقة بين البلدين والسبل التي تضع علاقاتهما على “مسار” أكثر إيجابية، وإن عنى ذلك تشكيل أساسٍ لحوار استراتيجي، فهل ستأخذه القيادتان على محمل الجد؟. ستكون خطوة أولى حاسمة تسمح لهما بالبدء في البحث عن مخرج من الحفرة التي وقع فيها البلدان.
إذاً، كان هنالك إمكانية لعقد قمة في هلسنكي بنجاح متواضع، وقد يحتسبها الجانب الروسي نجاحاً لمجرد أنها كانت قمة متحضرة ولأن الجانب الأمريكي، وتحديداً نظير الرئيس بوتين، كان مهتماً بحق بتحسين العلاقات، لكن بالنظر إليها من منظور أوسع، فإن القمة فاشلة، وفشلت لأتفه الأسباب.
لم يتعمّد ترامب تخريب القمة، لكنه قام بذلك، فسيكولوجيته الملتوية هي التي منعته من فصل مسألة التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن السؤال الذي طرحه أحد الصحافيين فيما إذا كان هو أو فريقه تواطؤوا مع المجهود الروسي، ما أنتج لديه رد فعل صادماً، ونتيجة لذلك، في الولايات المتحدة وبين الحلفاء الأوروبيين، دُفن كل شيء حدث في هلسنكي تحت سحابة الغضب التي تولدت عن اتهام ترامب بأنه خذل مصالح الولايات المتحدة وقيمها، وحاول أنصاره المتزعزعون الاستشهاد ببعض ما يمكن أن يُعتبر نتائجَ واعدة للقمة، لكن حجتهم غرقت في بحر الاستنكار العام!.
وأدّى ذلك كله إلى وضع القمة في جو سياسي سيئ للغاية في الولايات المتحدة، وحفّز منتقدي ترامب الغاضبين في الكونغرس على التفكير بإجراءات لمعاقبة روسيا بشكل أكبر، وهي في الواقع إجراءات مصمّمة بشكل أساسي لمعاقبة ترامب، ويبدو من المرجح أن تعثّر ترامب في القمة وفشله المستمر يجعل الدعوة إلى اتخاذ موقف أكثر تشدداً تجاه روسيا مسألة تحتاج إلى تصويت من الآن وحتى تشرين الثاني، وهو ما يعدّ من حسن التدبير.
وربما إذا ما عزم أعضاء الإدارة على ذلك، سيكون بإمكانهم متابعة بعض الأفكار المطروحة في القمة بهدوء وصبر، إذ لوحظ أن ممثلي مجالس الأمن الوطنية في البلدين سيواصلون بذل الجهود لإحراز تقدم بشأن العقبات الرئيسية التي تقف أمام تحسين العلاقة بين البلدين، لكن أياً من هذه الأمور سيحدث في أجواء مسمومة للغاية، أجواءٌ أصبحت أسوأ الآن بفعل ما حدث في هلسنكي!.