حرائق.. وبدائية ولا مبالاة؟!
يا لها من مصادفةٍ فاجعة؛ أن تعود حرائق الغابات لتلتهم في ذكراها المأساوية الثالثة (24/7/2015)؛ بعضاً من أراضٍ حراجيّةٍ وزراعيّة لمنطقة “شين” في الرّيف الغربي لمحافظة حمص، وثلاث من قراها هي: “المتعارض”، و”حداثي” و”صُفُّر” وعلى امتداد نحو 20 كم وفق بيانات فوج الإطفاء الذي لفت إلى أنّ الطّرقات وعرة، وثمّة مساحاتٍ تحترق لا طرقات فيها، ونوّه بمؤازرة رجال فوج إطفاء “مصفاة حمص”، الذين استبسلوا بالدّخول في قلب النّار؛ التي حاصرت إحدى الآليات وانقلبت ما أدى إلى استشهاد سائقها أثناء تأدية مهامه!.
لتلتهم أرجوحة النّار وألسنة اللّهب المتنقّلة آلاف الدّونمات الحراجيّة، والزّراعية، في ظلّ عجز رسميّ تشي به الجهود المُضنية والإمكانات البدائيّة المتواضعة لرجال الإطفاء الذين تُرفع لهم القبعة؛ على تفانيهم وبسالتهم؛ في محاولة إخماد هذه الحرائق التي استنزفتهم على مدار ساعات الليل والنهار.
وللتّذكير؛ فإنّ فاجعة النّار في 24/7/2015 لم توفّر أشجار الزّيتون والكرمة والتّفاحيات في منطقة شين، والأكثر تضرّراً فيها: قرية “جب البستان”، وعُدّ الحريق آنذاك إحدى الكوارث الطبيعية التي تستحق التّعويض من صندوق الكوارث في وزارة الزّراعة!.
لا ريب أنّ الأمر يشي بخللٍ كبير قوامُه: بدائيّة المعالجة وارتجاليتها وافتقارها إلى ألف باء مقوّمات التّنظيم والمأسسة. بقدر ما يكشف عن تقصير منقطع النّظير من قبل المسؤولين عن حراجنا في وزارة الزراعة؛ فاتحة تجليّاته: عدم الإفادة من دروس حرائق الأعوام السّابقة التي أتت نيرانها على مساحات شاسعة من أخضر غاباتنا. وعدم وجود “خطّة وطنيّة” أو “إدارة تشاركيّة متكاملة” لحرائق الغابات، والتي لطالما كانت عنواناً برّاقاً لعشرات المؤتمرات والنّدوات وورشات العمل؛ التي لم تتجاوز كونها منصّات تنظير لا ارتسامات أو إسقاطات لها على أرض الواقع؟!.
خللٌ تكشفه معاناة رجال الإطفاء الذين يصطلون نار الحرائق بصدور عارية من بزّات واقية -لم توفّرها الوزارة- ما يجعل حياتهم على أكفّهم، وكذا الشحّ الشديد في الصّهاريج والآليات والتّجهيزات، والتّلكّؤ في اعتماد نظام الإطفاء بالبودرة بدلاً من المياه، ناهيك بعدم توافر المسطّحات المائية الكافية ضمن الغابات للاعتماد عليها في عمليات الإطفاء. وإذْ يغدو من الملحاحيّة بمكان؛ مُساءلة وزارة الزّراعة عن بدائيّة معالجتها، ولا مبالاتها أوتراخيها اللّافت، في تعاطيها مع هذا الملفّ بالغ الأهميّة؛ فإنّه لا بُدّ من تصويب أدائها الحراجي، وعلى جناح السّرعة؛ من خلال الاستئناس بما تعتمده الدّول من تقنيات متقدّمة في الإنذار المبكر عبر فرق الإطفاء الجوّالة المجهّزة والمدرّبة، وفتح المزيد من خطوط النار الواسعة والعريضة قبل كل موسم للحرائق مزوّدة بشبكات آبار ومناهل للمياه، إضافة إلى تدريب قادة ميدانيين للحرائق؛ لا تتدخل أية جهة في عمل قائد الحريق أثناء قيامه بعمله مع تأمين كل مستلزمات الدعم له، وكذا التدريب على تقنيات التدخل السريع في مكافحة الحرائق، وإنشاء مراصد وأبراج مراقبة للغابات، إضافة إلى تشييد غرف عمليات للدفاع المدني في قلب الغابات، ومشاركة بلديات القرى المتاخمة للغابات في عمليات التدخّل السريع وتمكينها من تقديم الدعم اللوجستي لرجال الإطفاء.
فإنّه لا بُدّ لوزارة الدّاخلية من تحمّل مسؤوليتها في التّصدّي الحازم والصّارم لظاهرة تحطيب الغابات أو تفحيمها، والتي باتت -بكلّ أسف- مهنة يمارسها الكثير من ضعاف النفوس ضمن شبكات!، فضلاً عن ضرورة تزخيم جهود المجتمع المحلّي بمفاصله كافة؛ في مكافحة استشراء ظاهرة افتعال الحرائق في غاباتنا تمهيداً لعمليات التّفحيم التي حوّلت غاباتنا ومناطقنا الحراجية إلى مناجم تدرّ ذهباً على هذه المافيات!!.
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com