الفضيحة التي هزّت الإليزيه
يبدو أن فوز فرنسا ببطولة كأس العالم لكرة القدم قبل أيام لم يشفع لماكرون ولا لحكومته التي تواجه اليوم موجة غضب عارم واستياء شعبي على خلفية قضية حارس ماكرون الشخصي، الكسندر بينالا، الذي أظهرت مقاطع فيديو عديدة اعتداءه على متظاهرين في مظاهرات عيد العمال، لتستيقظ فرنسا من حلم الفوز بكأس العالم على كابوس سياسي يمس الرئيس الفرنسي وقد يهدد مستقبله السياسي.
فقد أظهر مقطع فيديو قيام مساعد وحارس الرئيس بممارسة العنف بحق متظاهرين، وأفاد وزير الداخلية، جيرار كولومب، خلال إدلائه بشهادته أمام الجمعية الوطنية، بأن الرئاسة تتحمل مسؤولية اتخاذ الإجراءات اللازمة، مؤكداً أنه أخطر السلطات بالحادث فور وقوعه، كما أظهرت أشرطة مصورة جديدة استخدام بينالا للعنف في أكثر من مناسبة خلال ممارسة مهامه. والمشكلة هي أن موقع اللوموند كشف النقاب عن أن رجل الشرطة المعتدي ليس سوى بينالا، الحارس الشخصي لماكرون، والأخطر هو أن الرجل كان في إجازة لكنه استطاع الحصول على تصريح للحضور بصفة “مراقب فقط” لفض المظاهرات من قبل الشرطة، والأغرب أن ثمة أشخاصا داخل الإليزيه حاولوا التكتم على الأمر مدة شهرين ونصف، ولم تتم إماطة اللثام عنه إلا بعد قيام موقع اللوموند بنشره.
هذه الفضيحة وضعت الحكومة الفرنسية والرئاسة في أسوأ أزمة لهما منذ تولي ماكرون الرئاسة في أيار الماضي، ودفعت ماكرون للإعلان عن تحمل مسؤوليته بشكل كامل بعدما طالب حزب “الجمهوريين” المعارض بإجراء اقتراع على حجب الثقة عن الحكومة، فيما أشارت استطلاعات للرأي إلى تراجع شعبية ماكرون إلى أدنى مستوياتها منذ أيلول 2017.
من هو الكسندر بينالا؟
عمل في طاقم الأمن في الحزب الاشتراكي، ثم في الإليزيه مرورا بطاقم الملاكم السابق مورميك. ولد في ايرفو، وأقام في الهافر، ثم وصل إلى الإليزيه، ويبقى مشواره مثيرا للعديد من التساؤلات حول النقاط المظلمة وغير المعروفة الخاصة بعمل الدولة: ماذا كان يفعل الحارس الشخصي للرئيس في ميدان التظاهر مرتديا خوذة وزي الشرطة؟ ما دوره تحديدا في الإليزيه؟ وكيف لرجل لم يتلق أي تدريب أن يتولى مهاما تتعلق بحماية وأمن رئيس الدولة؟ كل هذا الارتباك في مؤسسة الرئاسة يظهر غموض شخصية مستشار الرئيس الذي يحب فنون ورياضات القتال، وهو شاب موهوب لكنه “دموي”، وحاول أن يجد له مكانا في صفوف الاشتراكيين. معلمه السابق هو ايريك بلومر، مدير الأمن السابق بالحزب الاشتراكي، والذي صرح قائلا: “قمت بتدريب بينالا وهو شاب موهوب يتمتع بقدرات كبيرة. كان شابا خجولا وهادئا ومنغلقا”. وتجدر الإشارة إلى أن بينالا تربى على أيدي الملحق الصحفي السابق لعصابة الزيمور، مارك فرانسيلي، الذي قام بتوجيهه على طريقته الخاصة وعلى أكمل وجه.
وعليه، يبدو أن فرنسا تشهد أول فصول الفضيحة التي لطخت صورة ماكرون، وقد تعيق إعادة انتخابه لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والخوف كل الخوف أن يتم الكشف في الساعات القادمة عما لا يحمد عقباه حول مؤسسة الرئاسة برمتها بعدما ظهر جليّا محاولتها التكتم عل الفضيحة.
وكانت شعبية ماكرون قد سبق وتدهورت في الآونة الأخيرة على خلفية موجة الاحتجاجات العارمة والإضرابات التي طالت العديد من القطاعات والمؤسسات احتجاجا على سياسته الاقتصادية الكارثية، وسياسته الداخلية التي ولدت ساحة من الدمار حولت البلاد إلى بلد منكوب مع دين عام لامس عتبة الـ 2300 مليار يورو، لتشكل مع سياسته الخارجية كارثة حقيقية لا نهاية لها، باعتراف كبار المحللين والمراقبين الفرنسيين، والتي يدفع الفرنسيون ثمن تبعاتها غاليا في شؤونهم الداخلية. كما يبدو أن الشعب الفرنسي بات مستاء من كذب ومراوغة سلطاته العليا التي لم تعد بنظره سوى عصابة من المجرمين الفاسدين والحمقى.
هيفاء علي