الجهات المعنية بالإصلاح ومكافحة الفساد هي الأحوج للبدء بنفسها
الإصلاح المنشود تعبير معهود مكرر منذ عقود، والحقيقة المرة تؤكد أنه لا زال كثير من الخلل والفساد المشكو منهما قائمين بنسبة كبيرة، بل قد استفحلا في مكان وآخر، بما في ذلك ضمن الجهات المعنية بالإصلاح، أكان ذلك فيما يخص قيادات الإدارات الأعلى أو قيادات الإدارات الفرعية، المتوجب أن تكون هي معنية بمكافحة خلل وفساد دوائرها وشعبها وعامليها، كما لا تخلو الجهات الرقابية نفسها من ذلك، ما كان منها معنياً بمعالجة خلل وفساد الداخل /القضاء – الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش – والجهاز المركزي للرقابة المالية، ولجان الرقابة الداخلية في الإدارات العامة /، أو ما كان معنياً بالحد من الخلل والفساد العابر من الحدود /المديرية العامة للجمارك، والجهات المعنية بالرقابة الحدودية/، وذلك بالنسبة لبعض السلع الداخلة – على تنوعها وتعددها – عبر المنافذ الرسمية أو عبر بوابات التهريب.
مدعاة للسرور أن الإصلاح المتعثر غير ميئوس من تحققه بعد، إذ هو مطلب وطني قديم ومتجدد، ولا زال متجذراً في الذاكرة الرسمية والشعبية، والأمل معقود على أن تفتح ملفاته تتابعياً بعد غد إن لم يكن غداً، ومن المؤكد أن القيادات الإدارية والجهات الرقابية، هي الجهات المعنية بمعالجة حالات الخلل والفساد التي من المتوجب عليها كشفها، أو التي توضع على طاولتها، ما يجعل من المفترض أن تكون هي الأقل خللاً وفساداً، بل من المفترض أن تكون هي البادئة بإصلاح خللها وفسادها، لتكون قدوة في إصلاح أجهزتها، انطلاقاً من مقولة خير المصلحين من بدأ بإصلاح نفسه، ولكن واقع الحال يظهر أن آلاف قضايا الخلل والفساد لا تراها القيادات الإدارية، أو تتعامى عنها، بل كثيراً ما تبين أنها هي المرتكبة لها، وتجهد للحد من دور لجان /شعبة – دائرة – مديرية / الرقابة الداخلية، التي هي أحد أجهزتها، إذ تحرص لأن تكون رؤية الرقابة الداخلية محكومة بقرار الإدارة، إذ تعتبر العاملين في الرقابة الداخلية من مرؤوسيها، رغم أن الرقابة الداخلية في الإدارات مرتبطة فنياً وإدارياً مع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ولكن أغلب جهات الرقابة الداخلية تحجم من ارتباطها هذا، خوفاً من إدارتها الأعلى، أو التواطؤ معها.
الطامة الكبرى تتجلى أكثر حال وصول قضية الخلل أو الفساد إلى أدراج الجهات الرقابية المعنية / الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش – الجهاز المركزي للرقابة المالية …/ عبر هذه القناة أو تلك، فغالباً ما بقيت العديد من القضايا الهامة أشهراً وسنوات، قيد التخزين في أدراج المفتش، أو رهن العلاج المديد السري لديه، بعيداً عن الإصغاء إلى مصادر الإضاءات التي قد تؤكد أو تضيف المعلومة الصحيحة الصادقة، أو تنفي المعلومة الخاطئة الكاذبة، ما أدى لأن تفقد بعض المعطيات جدواها الجزئي أو الكلي، وما قد يؤدي إلى ألا يكون للنتائج المتأخرة الأثر الحقيقي المفترض، حال تمت المعالجة السريعة.
واللافت للانتباه أن القرار التفتيشي غير نهائي بل هو قابل للطعن القضائي، ما يتيح المجال لإطالة زمن البت بالقضية لأشهر بل وربما لسنوات جديدة، وفي كثير من الأحيان جاء القرار القضائي مبرئاً الطرف المدان تفتيشياً، ما أدى إلى جواز مساءلة المفتش الذي أصدر قراره عبر ادعاء المعني بالقرار التفتيشي السابق، كل ذلك ساهم في الحد من الإصلاح ومكافحة الفساد.
إن الانطلاقة الجديدة لتحقيق الإصلاح ومكافحة الفساد، والتي يرَوَّج لها منذ أيام، هي محط أنظار الكثيرين، الآملين بنجاحها، ولكي لا تكون حبراً على ورق كسابقاتها، حبذا أن يوجه أصحاب القرار أولي الأمر، لأن تكون البداية الإصلاحية المنشودة من الأعلى، أي أن تبدأ الإدارات الأعلى والفرعية والرقابات بجمع أنواعها، بمعالجة خللها وفسادها بكل جدية ومصداقية، وبانفتاح وعلنية وعلى أكمل وجه، ومن غير الجائز تنكر أية إدارة – بما في ذلك الإدارات الرقابية – بعدم وجود خلل وفساد فيها، وحال نجاح الخطوة الأولى الكبرى، سيترتب عليها بالتأكيد نجاح الخطوات اللاحقة، وكثيراً ما يردد البعض العبارة التالية “شطف الدرج يبدأ من الأعلى”.
إن عملية إعادة الإعمار الواجبة التحقيق لن تكون ناجحة بالشكل المطلوب، بل ستتعثر كثيراً حال بقينا نعاني من الخلل والفساد المشكو منهما، ما يؤكد أن الإصلاح المنشود يشكل المدخل الأساس لإنجاح عملية إعادة الإعمار بأقصر وقت وأقل كلفة، ويبدو أن الجهات الرسمية العليا على بينة من أمرها، وتعمل باتجاه ذلك.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية