قوس قزح يعكس حضارة سورية المتأصلة
بدت رسالة العرض واضحة في لقاء الفرق المشاركة في أمسية اختتام مهرجان قوس قزح الرابع على مسرح الأوبرا بإشراف الإعلامي إدريس مراد على وقع ألحان وكلمات”موطني” فكل الأقليات التي غدت جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوري”الأرمن– السريان- الشركس- الأكراد-” مع العرب تعيش تحت سماء الوطن متعدد الأطياف والملون كلوحة فسيفساء، وقد رقصت كل فرقة على موسيقا الألحان الفلكلورية المتعلقة بها، وإن بدا اللحن الإيقاعي بآلات مختلفة هو القاسم المشترك، وتقاطعت في حركات معينة لاسيما الثنائيات التعبيرية، والرقص الدائري في مواضع واختلفت في أخرى، كونها تسرد بلغة الجسد تاريخ الأقوام وحضارتها، إلا أن فرقة الجمعية الشركسية للتراث اتسمت بتفاصيل خاصة شكّلت سمات الرقص الشركسي، لتعكس جميعها صورة بانورامية عن جغرافية سورية بكل مناطقها المتأصلة بالحضارات الموغلة بالقدم.
أبناء ثقافة واحدة
وتحدث د. علي المبيض معاون وزير الثقافة عن أهمية مهرجان قوس قزح الذي يعرّف الجمهور السوري بالتراث الموسيقي الثري لمكونات المجتمع السوري ويعزز مفهوم الانتماء، فجميع السوريين هم أبناء ثقافة واحدة تشكّل أرضية مشتركة لهم، وتجلى هذا المفهوم من خلال تفاعل الجمهور المكون من مختلف الفئات العمرية مما يؤكد على مقدرة التراث الموسيقي السوري على الوصول إلى كل الأجيال ورفع الذائقة الفنية لديهم، ليتوقف عند اللوحة الأخيرة في لقاء الفرق كلها بأغنية موطني.
وبمبادرة من مهرجان قوس قزح ودار الأوبرا تمّ تكريم شخصيات أثّرت بالتراث السوري المتنوع بعد عرض فيلم قصير عن كل شخصية، ليعلو صدى التصفيق بتكريم الفنان الكبير حسام تحسين بيك الذي أسس المسرح الراقص على أنغام أغنيته “نتالي”، ومدربة فرقة ميغري الأرمنية آزاد سفريان التي عملت على إحياء التراث الأرمني وانضمام الشباب إلى الفرقة، ومديرة فرقة بارمايا للتراث السرياني رمثة إسكندر شمعون التي تمكنت من أنواع الدبكات في الجزيرة السورية، وعازف الأكورديون لؤي بجدوغ البارع بالموسيقا الشركسية السريعة جداً والصعبة، وآخر الأصوات الفراتية عبد الوهاب الفراتي، كما كرّمت إدارة الجمعية الخيرية الشركسية للتراث وفرقة بارمايا للتراث السرياني المشرف ومنظم المهرجان إدريس مراد.
الدبكة الشعبية
افتتحت فرقة نيرفانا للتراث العربي العرض برقصة اتخذت لون الدبكة وامتزجت بالخطوات الكبيرة وحركات الجمباز والقفز في الهواء، واتسمت بثياب الراقصين السوداء الفلكلورية وبتحريك السبحة بقوة بتحريك اليد، وتخللها صولو للراقصين.
رؤوس الأصابع
ثم قدمت فرقة ميغري الأرمنية بمشاركة الفتيات مع راقص بالزيّ الفلكلوري الأحمر الذي يدل على تمسك الأرمن بالحياة وقدرتهم على تجاوز محنة الإبادة برقصة صاصون الرقصة الجبلية التي تظهر ألوان القوة والفرح على وقع نغمات الموسيقا الأرمنية الشعبية، وقد تفاعل الجمهور مع الفرقة كونها مألوفة لجمهور الأوبرا من خلال العروض التي تقدمها فاختارت الفرقة نوعاً من الرقصات الشعبية الجماعية التي ترقص بالمناسبات الفرحة، وبدت رقصة كوتشاري بالزي التقليدي الأرجواني أكثر سرعة بالحركات والإيقاع الموسيقي بالحركات السريعة جدا للأقدام والخطوات على رؤوس الأصابع، وفي الانقسام نصف الدائري للراقصات.
الثنائيات التعبيرية
ثم قدمت فرقة بارمايا للتراث السرياني بزيها الشعبي الخمري والأسود بدلالة تجاوز مجازر سيفو رقصات اتسمت باللحن الهادئ في مواضع على نغمات القيثارة والناي وبثائيات تعبيرية أشبه بحواريات راقصة بين الراقص والراقصة.
التشكيل الدائري
وتجلى حضور فرقة آشتي بالدبكة الكوردية التي تعتمد على الشكل الدائري ليتوسطها الصوليست بحركاته الاستعراضية، وتميزت بخفة الحركة بحركات الأقدام بخطوات متعددة للدبكة وحركات الأكتاف وتشابك الأيدي بين الراقصين والراقصات، لتظهر حالة الفرح التي يعيشها الأكراد في حياتهم لاسيما في عيد النيروز، وزاد من جمالية الرقصات الأزياء التي غلب عليها اللون الأخضر مع المنديل الأخضر، وبدا واضحاً التقارب في مواضع مع دبكة فرقة نيرفانا للتراث العربي.
الثبات بالمكان
ومنذ اللحظات الأولى تميزت فرقة الجمعية الشركسية بجمالية الأزياء وزركشتها وبتموضع تاج الرأس للراقصات المسمى القلبق مع الوشاح الخمري والتلويح بالمنديل الأبيض والقلنسوة السوداء للراقصين بزي المحارب مع السيف إشارة إلى الحروب الطويلة التي واجهها الشراكس، وتميزت الموسيقا برتم سريع جداً تناغم مع الخطوات السريعة للراقصين والراقصات، واللافت في الرقصات هو إظهار الملامح الحياتية للشركس بكل أبعادها بالرقص، وأهمها الإرادة القوية والاستمرارية بدا ذلك بخاصية الثبات والرقص بالمكان من خلال تبدل حركات الأقدام في خطوة واحدة، إلا أن السمة الأساسية كانت الثنائيات للسرد الراقص التعبيري عن الحبّ والغزل والتشاركية الحياتية، لتنتهي هذه الحركات بقفلة تختزل كل المشاعر الوجدانية حينما يجثو الراقص على ركبتيه ليبوح بصمت ابتسامته بحبّه للفتاة، وقد نوّعت فرقة الجمعية الشركسية بالرقصات التي أظهرت خاصية المشي على رؤوس الأصابع والخطوات السريعة جداً لتتقاطع مع الرقص الأرمني لاسيما برقصات الحرب.
دور الأقليات الفعّال
وبعد العرض أشاد الفنان حسام تحسين بيك بنجاح المهرجان الذي يظهر حقيقة سورية التي تعافت من الإرهاب، ورأى أن الحراك الثقافي الهام من خلال فعاليات ضخمة مدعاة فخر لسورية، مركزاً على دور الفنون الشعبية التي تحمل رسالة سورية إلى العالم وتعكس تاريخها وحضارتها وثقافتها وتراثها، وفي المنحى ذاته أشاد بالدور الفعّال الذي تقوم به الأقليات التي غدت جزءاً متأصلاً بسورية، ليصل إلى أن الفرق القوية التي شكّلتها تدل على مكانتها.
ملده شويكاني