ثقافة

“صوتك رئيس”.. الاستحقاق الرئاسي بين نبض الشارع السوري وذاكرة الوجع الدامي

ما من سوري مهما كان انتماؤه أو تحزبه الفكري والعقائدي والحزبي، إلا ويتمنى من كل جوارحه “أو بما تبقى منها”، أن تنتهي هذه العاصفة الدامية التي تمر بها سوريته، الجميع بلا استثناء يقول وهو مدرك بوجع مجرب، لكل حرف يخرج مرتجفاً من بين حباله الصوتية: تعبنا. نعم تعبنا جميعاً، خسرنا كثيراً “الجميع دون استثناء إلا الفاقد كل حس بالمسؤولية تجاه نفسه أولاً”، والثمن كان وسيبقى أبهظ وأغلى من أن تقدر أي مخيلة على ضبط ارتداداته، على المستوى القريب والبعيد.
الآن وبعد أكثر من ثلاث سنوات من خراب الأنفس وضياع البهجة وسقوط الآمال، يقف السوريون أمام استحقاق تاريخي فعلاً “الانتخابات الرئاسية”، والتي أعلنت المحكمة الدستورية العليا مؤخراً عن أسماء المرشحين القادرين على خوض هذا السباق الشاق. اختلفت آراء الشارع السوري حول هذا الاستحقاق، وهذا الاختلاف ما بين مؤيد له ورافض لتوقيته أو معاييره، هو برأيي الشخصي دليل صحي على النبض الذي عاد ولو ببطء، لينقل سورية من مرحلة العناية المركزة إلى مرحلة تبدو فيها بوادر التعافي لائحة في الأفق.
البعث عملت على أن تلمس نبض الشارع السوري، من خلال آراء مجموعة من المثقفين السوريين، الذين يعبرون بشكل أو بآخر عن مزاج الشارع السوري ونبضه حول هذا الموضوع.
الإعلامية السورية “سوسن صبوح”
من المؤلم ألا نستطيع نحن السوريين في الخارج أن نشارك في الانتخابات الرئاسية القادمة. اتصلت بي صديقة سورية من كندا وقالت لي: “شو الأخبار عندكم في لندن؟ هل هناك مركز للمغتربين السوريين”؟ وأضافت: “نحن هنا عملنا مركزاً انتخابياً رمزياً لنشعر أننا مع أهلنا في الداخل نشارك في هذا الحدث المهم”. توقفت عند مصطلح (أهلنا في الداخل) الذي استخدمته صديقتي. مع سورية لا ينفع داخل وخارج، سورية هي الداخل في أرواحنا جميعنا، لمن ظل في الوطن ولمن رحل عنه. الآخرون (الجحيم) جهزوا من الآن طعوناتهم بالاستحقاق الرئاسي السوري، ولكن كم يهم هذا السوريين بعد كل المحن التي مروا بها؟ السوريون رغم مرارة التجربة، إلا أنها أنضجتهم، وسوف يعرفون بحدس من خبر الخطر وعايشه أن هذا الاستحقاق الرئاسي ضرورة الآن وفي موعده، وسوف يعرفون أيضاً على كل اختلافاتهم لمن يمنحون أصواتهم. لن أحلم أو أتخيل أن سورية قد وضعت قدميها الآن بهذا الاستحقاق الرئاسي حتى على الخطوة الأولى من ألف ميل الديمقراطية، كما تعرفها المجتمعات الغربية هنا، ولكن من كان يتصور منا نحن السوريين حتى في منامه قبل ثلاث سنوات من الآن، أن يكون هناك أكثر من مرشح واحد لمنصب رئيس الجمهورية! إذن نحن ننظر بعيوننا إلى هناك، إلى سكة الحريات، بقي أن تتحرك أقدامنا إليها حتى لو تعثرنا ووقعنا في الطريق. لقد جربنا فوضى الغضب والحقد المتبادل الذي لم يجلب إلا الدمار، فلنجرب شيئاً آخر أكثر جدوى.. لندخل تجربة أكثر إنسانية، لا تجربة صلى البشر منذ زمن بعيد كي لا تقربهم.. “اللهم لا تدخلنا في التجربة”.

الناقد والشاعر السوري “أوس أسعد”
حين لا تبقى أمامك خيارات متعددة وأنت العنصر غير الفاعل، بل والمفعول به كثيراً/ المواطن/..وحين يكون الوطن هو المحك الأكبر لهويتك ووجودك وكينونتك المهددة حد الانقراض، يجب عليك أن تتعلم فنّ صياغة الأولويات/ الوطن أولاً والأشخاص ثانياً..ومن هنا أعتقد أن استحقاقات المرحلة القادمة وحسب خصوصية هذا التاريخ الذي يجري كنهر العاصي مخالفاً لطبيعة تطور المجتمعات على الأقل ظاهرياً/ تغيراته تجري من فوق دوماً/ ومن ثم تطبق على الأرض بالوسائل المعروفة لهيكلية الدولة “الرؤوم” في مجتمعاتنا / العالم ثالثية / تتطلب منا أن نرفض البدائل الوحشية التي تجاوزها التاريخ إلى بدائل قائمة ألفنا “حنانها” بشكل أو بآخر لكنها تبقى البديل الأقوى الذي مازال يمثل الهوية الوطنية على الأقل بشكلها التقليدي، وبما أنه لا رجعة لحركة التاريخ إلى الوراء/ لأنها رجعت إلى حدها الأقصى باعتقادي / فإننا ننتظر القادم الأجمل الذي ستصوغه رؤية ودماء السوريين الذكية بقيادتهم التي وعت أيضاً أنه لا يمكن قيادة العباد بالوسائل القديمة ذاتها…لعلها الفسحة الوحيدة المتاحة أمامنا لإعادة صياغة حاضرنا المهشم كتاريخنا.

الكاتبة “عبير سليمان”
في خضمّ ما مررنا به على مدى ثلاثة أعوام مضت، ربما من الترف الحديث عن المنطق في أي شأن كان، ما دفعه السوريون ثمناً للديمقراطية على الطريقة الأمريكية والتي كانوا يريدون فرضها بالقوة، وبتمويل وتواطؤ عربيين لم يكن منطقياً، احتلال عدد من المدن السورية من قبل التكفيريين ووصف الأمر بالتحرير من قبل العالم الحر، غير منطقي ويحتقر إرادة الشعوب، ازدراء سيادة الدول بحجة الديمقراطية، غير منطقي، لذلك من الغريب -برأيي- أن تتم مساءلة السوريين عن تعاطٍ منطقي مع الأمور، أظنّ أن الانتخابات الجارية – برمزيتها- حالياً فيها نوع من التحدي أو رسالة إلى العالم العربي ،خصوصاً بأنظمة حكمه الملكية، التي لا يسمح فيها بممارسة العملية الانتخابية، رسالة مفادها أننا أحرار أكثر منهم بكل تأكيد، مصرين أننا لا نحتاج وصاية أحد على حرياتنا. يؤلمني أن عدداً من المدن السورية لن يتاح لمواطنيها الإدلاء بأصواتهم بسبب الأوضاع الأمنية، وأن شريحة من السوريين محرومة من الترشّح للرئاسة، أظنّ أن استمرار هذه المادة يعود لضغط أطراف خارجية تتعامل مع التركيبة السورية بعقلية طائفية متعصبة، الروح السورية يليق بها احترام كل مكوناتها، ويناسبها التكريس لنظام علماني حقيقي، وهذا ما كنا ننادي به بشدة خلال الأعوام المنصرمة.

الشاعرة “رولا حسن”
لا شك أن الانتخابات الرئاسية في الوضع الراهن الذي تمر فيه سورية هو خطوة مميزة في تاريخ سورية المعاصرة، فبعد زمن طويل من الاستفتاءات نحن أمام الخيارات في الانتخابات الرئاسية وهو حق على السوريين أن يمارسوه وذلك بالذهاب إلى صندوق الاقتراع والإدلاء بالصوت سلباً أو إيجاباً، بالاختيار أو عدمه، وبرأيي الذهاب للإدلاء بالصوت واختيار رئيس يعني الرغبة بعدم تقسيم سورية، ومنع قيام حرب أهلية لا تحمد عواقبها، والذهاب لممارسة الحق الانتخابي بعد ثلاث سنوات كاملة من القهر والقتل والموت هو أمر يجب أن يعتاد عليه السوريون بعد كل الأثمان التي دُفعت، أنا مع ممارسة الحق الانتخابي وأعتقد أنه واجب لكل من يستطيع المشاركة والتعبير عن الرأي الشخصي أياً كان هذا الرأي عبر صندوق الاقتراع وذلك شكل مستحدث في ظل الأزمة فيه شيء من ممارسة الديمقراطية بالشكل غير التقليدي في ظل ظروف غير عادية وبجرأة المواطن المسؤول.

المخرج المسرحي “مأمون الخطيب”
أنظر إلى أي انتخابات إذا كانت تعددية وديمقراطية بأنها خطوة في الطريق الصحيح، وهي بداية جيدة وجدية. ربما تكون بداية عسيرة الآن في سورية بسبب الظرف الذي نمر فيه، ولكن فكرة الانتخابات الحرة بحد ذاتها جديرة بالتفكير. الانتخابات خطوة مدنية بجدارة رغم اعتراضي على المادة التي تحدد دين المرشح، وأطالب كمواطن سوري بإلغائها. بشكل عام أرى مبدأ اختيار الشعب لممثله الرئاسي أمر مهم في حال وعي الشعب السوري لخياراته وفي حال تقديم برامج إصلاحية حديثة ومدنية.
بقي أن نقول لكل من يشكك بهذا الاستحقاق ويعتبره عرضاً مسرحياً هزلياً لا أكثر: عرض مسرحي !! كما تشاء ولكن “تعى تفرج ع القليلة يا حباب الفرجة ببلاش”.
تمام علي بركات