ثقافة

قراءة في ديوان “ابتهالات حروف”

شاعرتي  ميساء الدرزي، وبكامل الوعْي الذي تتجلَّى به قصائد هذا الديوان، تتواجدُ فضاءاتٌ منمّشةٌ ببعض سحاباتٍ ماطراتٍ، فوق وجه هذا البوار المتناغم / مُرغماً / مع جنون الجفاف الذي طال زماناً!..
حالاتٌ شعريّة تتتالى لتحلِّق ما فوق الضّباب، وقد تفوّقت بإدهاش غرائبي، وبعفويّة البياض المحبّر بالصور البادعة، وتأوّهاتٍ من واحاتِ شقائق النعمان، فكنتِ في بعضها “القصائد” كأنك في عمر عتيق “يتناوق” على الماضي بعينيه الدّامعتين إلى أحلام من الاشتهاءات، وأعراسٍ ما ضنَّت من أعلى أمثاله من ولع وحب واحتراقْ!..
ديوان “مُدوزنٌ على الموزون” التُّراثي وأنتِ تعملين الآن دكتورة في التّشخيص المخبري وعمرك الزمني من مواليد 1979 ، مدينة “سلميّة” حيث تتعانق بين قصائدكِ أشكال الصّراعِ الدّائرِ الآن ما بين القصيدة “الوزن” والقصيدة “التجاوز” والتّخطي، أي القصيدة التي تعتم على “التّفعيلة” و”النّثر” الّذي لا يطيقُ أبداً أن يحشو الإبداع في القوالب “الفراهيديّة” الجاهزة..
شعرٌ مُنطلقٌ يُغرِّد خارج السِّربِ لكنّه يعتمد على “الإيقاع” حيثُ تتواردُ الألفاظ والمعاني ضمن هذهِ الإيقاعيَّةِ، وهنا مجالٌ للإبداع، إذا كان الشَّاعرُ فارساً ولديه المقدرة على لجم فرسهِ الجموح، وراح في عمليّة الاختزال والصورة والانبهار والدّهشة والإتيانُ بِاللا مألوف” تلك من مواصفات “قصيدة النثر” الآن.
في ديوان الشّاعرة تلاوين وملامح صوفيَّة، وهذا قد يعود إلى شكلانيّة التربية ومدى قدرتها على التجاوبِ في ممارسة الحياةِ ضمن معانٍ اجتماعيّةٍ ما زالتْ حتى الآن، هاهي تقول في قصيدة “كن أنت”:
/ أُريدكَ نبْضَ أفكاري/ وقود الرُّوحِ في ناري/ هواء يُنعش المعنى/ وعيني، نورَ إِبصاري ص43
شعرٌ يدخلُ بلا استئذانٍ في واحاتٍ من أبواب لا يطرقها إلَّا الَّذين عاهدوا نفوسَهم، وروَّضوا حياتهم على منحى القيم التي تتكوَّن من الحقِّ والخير والجمال! كذا فعلت شاعرتنا، وكتبت الأشعار على الهاجس “الفارضي” وأحبَّت على ما يبدو هذا اللّون وارتاحت له في هذه المجموعةِ الّتي تقتربُ من الأناشيدِ وهاهي تقول في قصيدتها “لستُ أدري”:
“ماأتاني لستُ أدري/ أمرهُ ليسَ بأمري/ طيفُ إحساسٍ غريبٍ/ سارحٍ في روحِ فكري    ص50
هنا تتباين وتتقاربُ بهذا “النِّشيد الفارضي” إلى أشعار وابتهالات المتصوِّفاتِ كرابعة العدويّة وميمونة وغيرها من المتصوِّفات في التّاريخ، حيث تتلامحُ بين أبياتِ القصيدة حالاتٌ “غنوصيّة” محمولةٌ  بالعشق الإلهي، وفناء الذات، وتتتالى قصائد “ابتهالات حروف” حيث فاجأني وأنا أقرأ قصائد المجموعةِ عنوان آخر لهذا الديوان هو “هذيان حروف” ص99  هل هذا “الهذيان” يلتقي مع لفظة “ابتهالات” ربما وكما يقال في المثل الدَّارج الآن: “المعنى في قلب الشاعر” وهذا سرُّ التلاقي بينهما.. ومن قصيدة بعنوان “نور ونار”  تقول الدرزي:
/لا اعتراض إن حَكمني/ كلُّ ما يرضاهُ خَيري/ أرتقي معهُ لِكونٍ/ ينتزعني من شروري/   ص68
وهكذا الحالات الشِّعريَّة المتناغمة بجنونٍ إبداعيٍّ، إدهاشيٍّ، حيث تفوَّقت شاعرتنا ميساء الدرزي وبعفويَّةِ المحبين العذريين، وتناغمت في شفقٍ المساءات الشّهيّة، بعض الأبيات كانت أصفى من شهدِ عسلٍ بريٍّ، لم تدجِّنه زهور المدينة الملوّثة بالهدرجة، وسموم الأفاعي الضّالة وتقول في قصيدة “فضل الحبِّ”:
/رحماك ربّي كم نجوتُ بهِ/ الحبُّ بعد الموتِ أحياني/ ملأَ الفؤادَ مودَّةً وهدىً/ حطَّمتُ فيها كلَّ أوثاني/ ص40
ياشاعرتي “ميساء” بين حدائقِ هذه المجموعة، يتواثب الربيع كخِرافٍ شَبِعتْ بعدَ انتظار!
هذه الـ “أنتِ” تقول في قصيدة “فَيضُ حنين”:
/ اسألْ فؤادكَ فهو أفضلُ مُلهمٍ/ يُخبرك أن العشقَ غُصْني قد لوى/ فارحمْ حنيناً في وصالك يرتجي/ ويذوقُ في المنفى عذاباتِ النّوى/ ص27
للشاعرة ميساء الدرزي
* خضر عكاري
“ابتهالات حروف” ”
تأليف: ميساء الدرزي
دار بعل سوريّة 2013
khudaralakari@hotmail.com