ثقافة

بطاقة دعوة

بشرى الحكيم
قلت ضاحكة لزميلنا في القسم، مشيرة إلى سيارته التي أكل عليها الزمن: “يا أخي اكتب عليها سيارة كي نصدق أنها كذلك”. أجابني: “المهم في هذا الزمن سلامة محركها والعجلات، قيمتها اليوم أن تبقى على حالها”.
صديقنا يرى ما امتلأ من كأسه، وربما ما امتلأ من كؤوس الآخرين، وبالرغم من أنها ليست دعوة للنظر إلى الإيجابيات وإعماء العين عن النواقص والسلبيات، وبالتالي الركون إلى ما حققناه من الآمال والطموحات الأمر الذي يعتبر منطقياً، الخطوة الأولى في طريق التطور والنماء سواء تعلق الموضوع بالجانب الاجتماعي، الفكري أو العملي. لكنها بطاقة دعوة للتأمل في الإنجازات مع الطموح للعمل على تعويض النواقص واستدراك العثرات. يمكن إسقاط ما سبق على ما جاء في العرض المسرحي” قهوة مرة” للفنان القادم من حلب “حازم حداد”، فربما حمل العرض بعض الهنات والثغرات، وربما ارتكب “أبو سمعو” بعض الأخطاء خلال رحلته التي دعانا لمشاركته إياها وعيش تفاصيل يومياته في المدينة التي أتعبتها حرب السنوات الأربع، ورب قائل أنها ليست المدينة الوحيدة التي نالها مانالت من دمار وحصار وحرمانها الكثير من أبسط مقومات الحياة في هذا الزمن، ربما بالغ في رسم مأساوية الصورة في بعض المطارح “فقلنا جميعنا نال قسطه من المأساة”  وقد يرى البعض أنه افتعل الطرفة في مكان آخر، أو لعل البعض شعر أنه رفع الصوت قليلاً وقد اعتدنا على ابتلاعه أحياناً كثيرة، ولعلنا نقول وقد خيبت آمالنا تجارب السنين: “لا قدرة للأعمال الفنية مهما ارتقى مستواها وعلا صوت الرصاص فيها، أن يعيد شبر تراب اغتصب”، لكن هذا كله ليس مبرراً لأن نتغاضى عن جهد واضح في ظروف تعتبر معيقة في أفضل الأحوال؛ للنهوض بأي عمل مسرحي جيد، بينما قدم لنا “حازم حداد” عرضاً متكاملاً من تأليفه وإخراجه وأدائه، وتمكن من امتلاك خشبة المسرح بالكامل مسيطراً عليها، تعامل مع شخوصه الافتراضية بحرفية عالية، ما فيه دلالة على قدرة الإنسان بشكل عام، والفنان بشكل خاص على تجاوز الصعاب واثبات الوجود وإمكانيته العمل في أحلك الظروف، والأهم أن يوصل الرسالة: أن لا كرامة لإنسان خارج وطنه، ولا أغلى ولا أبقى من ترابه.