من المسرح السوري إلى كل مسرحيي العالم الشرفاء.. أعطر التهاني
هذا المساء،لا، ليس ككل المساءات تؤوب فيه الطيور إلى أعشاشها، ولا تبيت فيه ذبالات قناديل الدور العتيقة كعادتها تحت السقوف الطينية المتعبة، ولا يغفل السمار فيه، ولا الشعراء يرجئون البوح لليل اليوم القادم: هذا المساء الآذاري فتح سماء له ولكن بأعمدة وكواليس وخشبة وستارة فصار الفضاء مسرحاً، لتلعب المتلألئات دراماها المسرحية تشع بفيض مختلف، ولتنبري جوقة النسائم تعزف لمسامع الكون نشيداً أشبه بحمحمات الأصائل إذا ما سار الليل إلى السحر. في هذا الليل لا تنام العصافير على الأفنان، إذ ليس من عجب أنها تلبث تحتفل، تصدح بأجمل الألحان لترقص في ليلها الحياة رقصة انتصار الجمال، حينها لا مندوحة أن طبول الحرب ستخرس، وأن الموت سيلوذ مرتعداً في هذا الليل، لليلة يوم المسرح الكوني سترفع المنارات من ضوء فوانيسها لتقيم للمرافئ عرساً للجمال والإبداع، المنارات تقرر: على الحيتان والقراصنة وحملة الرايات السوداء ألا يقتربوا من المكان وقد أعذر من أنذر. في هذا الليل، لليل عيد المسرح العالمي.. الموج أعلن عند صافرة الإمخار أنه لن يهوج بوجه الأشرعة، وعلى هاماتها تبحر النوارس إلى شاطئ بحر (مرمرة)لتحضر أمسية مسرحية يقيمها الإغريق بهذه المناسبة، إذ سيقرأ (هوميروس)إلياذته الجديدة على (طروادة وأثنا) يأمرهما بإلقاء السلاح ولينكفئا (إجمامنون وأخيل) إلى حيث أتيا وليرميا مع جندهم السيوف تحت نعال (هيلانة) الجميلة، ومن هناك سيعود سرب النوارس برسالة إلى البسوس البدوية لتطلق ناقتها الشريرة إلى مراع لم تزل في مشاعها البدائي، لليل الإنسانية المسالمة، هذا كعادته إله البحر (بوزيدون) سيقف حاملاً خاتمه العظيم على الثغور الشاطئية ليمهر فقط أوراق سفر الحب والصداقة والسلم لأصحابها الأنقياء من الذاهبين إلى شواطئ السلام. في هذه الليلة، حيث استحال الكون إلى خشبة مسرح، والنظارة بقضهم وقضيضهم، بألوانهم، بأطيافهم، بألسنتهم، من كل حدب وصوب أتوا، صارت لأعينهم بصيرة واحدة ولمسامعهم مسمع واحد. إنه المسرح ذو القلب الواحد والجسد الواحد، إنه الإنسان.
أيها المسرحيون الشرفاء في أرجاء المعمورة، أنتم تحتفلون الليلة في عيدكم من على خشبات مسارحكم بأصقاعكم، أبعث الآن إليكم بصوتي المسرحي، أبعثه ببريد العبق الياسميني الشآمي، وعلى أجنحة أبجديتي السورية الكونية الأولى، أرشه شذى على جباهكم وخشبات مسارحكم سلاماً وحباً وصداقة. من هنا وأنا المسرحي السوري أهنئكم في عيدكم، عيدي أولاً وأعلمكم أن سيدة الأكوان سورية الآن انطلقت كرمح لا يرد إذا ما انطلق.. شآمنا الآن تسدد إلى صدر التنين سهامها القاسيونية، هذا الغازي الذي تشطأ على شطآنها أكثر من ثمانين مخلباً دويلاً غربياً استعمارياً ومن يدور في فلكهم كي تعيش شعوبكم الآمنة بسلام.
أيها الأعزاء المسرحيون الكونيون.. أيها المسرحيون الشرفاء الأنقياء، كقصيدة عاشقة ينداح السوريون المسرحيون على خشبات مسارحهم في ميادين مقاومتهم وإخمادهم للحرائق التي تشتعل في كل شبر من الوطن، ومن الرئة السورية تخرج الأنفاس ريحاً صرصراً، فيركع اللهب ذليلاً بأسطع الضوء، يقاوم مسرحنا حلكة فكر القتلة الوحوش، ذلك القطيع الآتي من المغائر الحجرية. نعايدكم من وطن الحياة من وطن لا حياة فيه للسواطير والسنابك، من سورية وطن السنابل والجداول، وطن الأقلام والمعاول. زملائي الأحبة سورية الآن تتلفع برداء شمسها وتنسج شالها الوردي على أنوال نخوات صيدها من ميامين جيشها وشعبها وقيادتها، وبخفق قلب كل مسرحي سوري مقاوم، نرفع القبعة لك وننحني (بوشكين) العظيم.. عمت مساء سيدي (شكسبير) وقد عرفنا كيف أثر أدبك المسرحي في الأدب (الأنغلوسكسوني) ولك (دانتي) الموقر، كيف كان لك الباع الأطول في وحدة إيطاليا.. ولكم أساتذتي (سعدالله ونوس وممدوح عدوان وفواز الساجر وعمر حجو في خلودكم وسعيد جوخدار وممدوح الأطرش) والقائمة لا تنتهي. لكم نقطع عهداً نحن ـ المسرحيين السوريين الوطنيين المقاومين ـ أننا لن نخرج من خندقنا المسرحي المقاوم وسنقطع اليد التي تمتد سارقة لرغيف فقراء شعبنا الأوفياء، وأننا وبكل سوريتنا الأعظم، نعلن براءتنا من المسرحيين الذين خانونا، ونقول لهم: غداً عندما يلوذ أسيادكم كالفئران في جحورهم سيرمون بكم إلى الحاويات كما تُرمى الثياب المهترئة.
مشهور خيزران: مخرج وممثل مسرحي