ثقافة

أراكس شيكجيان لزاهي وهبي: أم كلثوم اتبعت مدرسة الغناء الأوبرالي

حينما سألها المحاور: درست في لبنان والأردن وسورية، أين وجدت المناخ ملائم أكثر؟ أجابت بثقة المؤمن:”أكيد سورية، لأنها بلدي” وأكملت بابتسامة لها مغزاها: “قولك لأني سورية، بحب الشعب السوري”
< ولم دمعت عينيك حين تحدثت عن سورية؟
<< طبيعي، الحرب تركت أثرها، وتابعت “أصلّي دوماً وأنا متفائلة بأن تنتهي الحرب قريباً”
بين الفن والشهرة
في لقائها مع بيت القصيد تحدثت أراكس شاكيجيان عن عشقها للفن الذي دفعها للاحتراف بالرغم من معارضة عائلتها المحبة للموسيقا في زمن كان سفر الفتيات للدراسة أمر غير مستحب فكيف إن كان الهدف هو الموسيقا والغناء، لكنها بالرغم من ذلك لم تشعر يوماً بالندم فخيارها استند على حب خالص للموسيقا وبعيداً كل البعد عن الشهرة معتبرة أن الغناء الأوبرالي أرقى انواع الغناء.
وحين سألها وهبي عن جمهور هذا الغناء معتبراً أنه محدوداً نوعاً ما تقول: “الأمر مرتبط بالمؤدي الذي عليه أن يكون صادقاً في إيصال رسالته كي يُقبل عليها المستمع”.
وعن علاقة الشعب الأرمني الوطيدة بالفنون والأعمال الإبداعية تقول ابنة حلب: “الأمر يعود إلى الوراثة والتربية؛ ووجود آلة موسيقية أمر طبيعي في أبسط البيوت الأرمنية، مؤكدة على رأي مضيفها بأنه أيضاً الإصرار على إثبات الذات والتمسك بالهوية رداً على ما تعرض له الشعب الأرمني من مجازر. تقول:”في تلك الفترة في 1915 حوربنا لأن الأتراك لمسوا مالدى شعبنا من ثقافة وإبداع”.
السيدة التي تدرب على يديها العديد من كبار الفنانين ترى أن حصول طالب الغناء والموسيقى على مدرس جيد، أمر بإمكانه تغيير مصيره كلياً.
جوليا بطرس وحكاية الصوت
وفي شهادة قدمتها الفنانة جوليا بطرس عبّرت فيها عن فخرها أنها تتدرب حالياً على يدي السيدة شاكيجيان فتقول:”أراكس تخبرك حكاية الصوت، النَفًس، أنت تغني من سنين وليس لديك خبر قصة هذا العمل الذي تؤديه، تأتي أراكس ومعها تعي ما كنت تفعله بعد كل هذه السنين، إنها عملية إبهار فظيعة”.
الأمر ذاته جاء برأي الفنانة ماجدة الرومي التي تصف عملها بأنه “عملية احتضان للصوت وبأنها اسم لا يمكن أن يمر على الصوت مرور الكرام”
ويسأل زاهي ضيفته التي لا تكثر من الظهور الإعلامي: ِلمَ يحتاج النجم الكبير الذي حقق ذاته في الغناء أن يعود للتدريب، فتشرح له قائلة:”يعتمد المغني في شبابه على حباله الصوتية التي تلبيه لفترة حتى منتصف الاربعين، لكن مع الزمن تتعب الحبال الصوتية التي هي عبارة عن أدق عضلة في الجسم؛ ما يجعل الصوت يتراجع ويتطلب اللجوء للتدريب”، شارحة أن عملها هو إخراج الصوت من الدارس على اعتبار أن لا أحد لا يمكنه الغناء إن لم يمتلك إذناً موسيقية”.
برامج الغناء ولجان التحكيم
وفي سؤال عن برامج الهواة التي ازدادت ولجان التحكيم، وعمّن بإمكانه توجيه النقد للأصوات ترى أراكس أن أقلها أن يكون الناقد قد تجاوز الستين من العمر، حيث يفترض أن يكون قد اكتسب الخبرات الملائمة ومعرفة الاصوات بالإضافة للدراسة الأكاديمية. معتبرة أن تلك البرامج جاءت في مرحلة هبوط شديد يمر بها الغناء الشرقي مما كشف عن مخزون كبير من الأصوات والخامات تنتظر من يأخذ بيدها، بالمقابل ترى من سلبيات تلك البرامج أنها تترك المشارك في منتصف الطريق عرضة للضياع  بمجرد انتهاء مدّة البرنامج، وتتابع: إضافة أن هناك بعض لجان التحكيم غير مؤهلة للحكم على أصوات المشاركين فيغدو الأمر مضحكاً إذ يأتي صوت المشارك بقدرات تفوق قدرات من يقوم بالتحكيم.
أم كلثوم وسر المهنة
“أنت أول من أسس للغناء الأوبرالي العربي” يسأل محاورها، فتصحح قائلة:”أنا أول من أسس للغناء الأوبرالي في سورية، لكني أول من طبق هذا على الغناء الشرقي، وتكمل:”إثر تخرجي تعرضت لانتقادات شديدة عندما صرحت بأن السيدة أو كلثوم التي تتلمذت على أيدي الشيوخ وفي مدرسة القرآن والتجويد كانت تعتمد تقنية الغناء الأوبرالي، وأنا حتى اليوم أرى أن احتكارها لهذه المعرفة وعدم نقلها للآخرين هو ما جعلها أسطورة للغناء في زمنها، ويعقب مضيفها أليس هذا سر المهنة الذي يجب الاحتفاظ به سراً؟ فتجيب:”لا يجب احتكار المعرفة، أنا أستاذة في الغناء ولم أحتكر معرفتي، والآن لدينا المئات من المغنيات لهذا النوع في سورية”.
وفي شهادته يتساءل حسام الدين بريمو عن عودتها للتدريس في دار الاوبرا؟ الأمر الذي تأسف له أراكس فالأحداث اضطرتها للمغادرة بالرغم من اقتراب موعد حصاد ما زرعته لسنوات عديدة من العمل، على أمل عودة قريبة لما تراه من دور هام للفن في مقاومة آثار الحروب والخراب:”في الطريق للحرب، الغناء والصلاة هما زاد المحارب، ترفع معنوياته وتهذب النفس البشرية”.
هوية وثقافتين
أما عن مدينتها حلب وسرها مع الغناء تحدثت:”سورية بلدي وأعرف جميع محافظاتها لكن حلب “غير شكل” من ناحية الفن، وعندما يصفق الجمهور لصوت ما هذا يعني أنه يستحق، وليس صدفة أن كبار المغنين ينتمون إلى حلب”.
ولا يفاجؤها سؤال وهبي:”أنت أرمنية أم عربية، وهل تشكل العربية جزءاً من شخصيتك؟ لكن الفكرة هي التي تستغربها إذ تقول:” أنا درست في مدارس عربية، لغة عربية، قواعد وتاريخ، فيزياء وكيمياء وسواها بالعربية، ولا أشعر بأي انشطار بين الثقافتين بل أمشي معهما بالتوازي، اليوم وفي هذه الفترة يتكرر هذا السؤال سؤال الهوية وأنا أراهما كما الأب والأم لا يمكنني الفصل بينهما.
ولأنها الذكرى المئوية لمجازر الأتراك بحق الأرمن يسألها: ألا يجعلك الفن أو يدربك على الغفران والمسامحة؟ فتسارع بالقول:”إلا هذا الشيء، لدي حقد شديد تجاه من ارتكب تلك الجرائم، وتكمل لطالما سألت أمي لِمَ تحمل أغانينا كل هذا الحزن؟ فترد:”لأنها استعادة لكل تلك الأحداث الأليمة”.
< ما المطلوب من تركيا اليوم؟ هل إذا اعترفت واعتذرت يمكنك المسامحة؟
<< نوعاً ما فأنا لست الإله ولكن الأسى لا يمكن أن يُنسى، يمكن للاعتراف أن يخفف الألم لكنه لا ينسيك الوجع”.
تعريف
تعد أراكس شيكجيان أول مغنية أوبراسورية حائزة ماجستير التدريب الصوتي من أرمينيا، أحيت العديد من الحفلات حول العالم وحائزة على شهادات تقدير وجوائز، منها ذهبية أول مغنية سوبرانو في كوبا والصين وأسست مدرسة الغناء الأوبرالي في حلب. عملت أستاذة غناء في الكونسرفتوار الملكي في عمان ودار الأوبرا في دمشق.
بشرى الحكيم