ثقافة

جود سعيد في” بيت القصيد”: أن تكون وطنياً يعني أن لا تباع ولا تشرى

حين كتب رسالته إلى إدارة المهرجان، أراد التأكيد على أنه ومن يشبهه في طريقة التفكير، يقاتلون لأجل الحرية، حرية الأشخاص، حرية التعبير في الفن. رسالة حملت رأياً وعتباً لمن أراد لفيلمه “بانتظار الخريف” استلام جائزته وحيداً، بالرغم من أنه يعتبر الفوز للفيلم ولصانعيه. جود سعيد المخرج الشاب الذي بات يشكل علامة لجيل عريض إيماناً منه أن إقصاء الفكر هو أقسى أنواع الإقصاء يقول: “نحن لا نحمل السلاح ولن نحمله، لا نستخدم الرصاص ولن نستخدمه، ومنع وجهة النظر، جريمة بحد ذاتها”.
جود سعيد في لقاء سابق له على الميادين الذي اختبر أولى تجارب صناعة الأفلام في فيلمه “باص” من خلال كاميرا منزلية، شكلت الحرب موضوعه الأول حالياً يؤمن بـ “أن تكون وطنياً يعني، أن لا تباع ولا تشرى” وأن تكون صادقاً تجاه قضايا الوطن.
موظفين ثقافيين
يتهم البعض صاحب “مرة أخرى” و”موعد” بأنه يتحدث بلسان الرقيب كونه يعمل بسهولة في بلد تنهشه الحرب، بينما يراه  نوعاً من تلاقي فكره مع فكر الدولة، وهي طريقه وطريقته لإيصال رسالة إلى العالم “أننا ما زلنا أحياء” والوسيلة كي نقول الحقيقة “السينما اليوم في زمن الحرب تحتفظ بما بقي من نبل الهوية السورية” نافياً أنه ينقل وجهة النظر الرسمية وهو ما أخذه البعض أيضاً على فيلمه “مرة أخرى” بالقول أنه بدا وكأنما أنتج على يد الرقابة، لكن لدى جود سعيد الإيمان الكامل بأنه وسواه ليسوا قصّراً أن يكونوا “موظفين ثقافيين” يمتلك كل منهم وجهة نظر ربما تلاقى بعضها في لحظة ما، مع تيار سياسي، وربما اختلف أيضاً، لكن الأهم في الأمر هو “سؤال الهوية السورية” والتي تلتقي اليوم مع سياسة الدولة، والتي لا يجب علينا أن نبخسها حقها في هذا الأمر، كون المؤسسة التي رعت وأنتجت أغلب ما قدمته السينما السورية برغم اختلاف وجهات نظر صانعيها، هي مؤسسة السينما التي تنتمي للدولة، والدولة هنا كيان يجمع الكل، باختلاف وجهات نظرهم وقناعاتهم”.
مانحة الحياة
رهانات المخرج الشاب جلية وواضحة وفي فيلمه “بانتظار الخريف” لا يخفي أنه يعوّل على “النساء” في رسالة حملها فريق السيدات لكرة الطائرة، إيماناً منه أن الرجل يذهب في حربه إلى الأقصى في مواجهة الفناء المفروض من الآخر، بينما الأنثى مانحة الحياة في الموروث والواقع تمثل الربيع الحقيقي، في دعوة منه إلى “التعويل على النساء المتعلمات القادرات على بناء أجيال تمتلك الأسئلة، بعيداً عن جيل تملكته الأجوبة الجاهزة”.
الفيلم الذي حمل قدراً كبيراً من النقد للخطاب التقليدي السائد، بأسلوب لعب على وتر الكوميديا والعبثية، في سينما يراها تشبهه، وشخصيات يمكنها أن تشكل برأيه مرجعيات واقعية، وأعمالاً تذهب بالمشاهد إلى حدود الدمعة، للوصول إلى خطاب مختلف قادر على مخاطبة الأجيال الجديدة.
سينما صعبة
في علاقته مع مؤسسة السينما يفضل سعيد أن يكون واضحاً وصريحاً فالعمل معها من وجهة نظره يحتاج إلى شجاعة في الطرح، كون سينمانا سينما صعبة وقلة الإنتاج تحتّم على الإدارة الحذر وأن تكون متطلبة فنياً، بالرغم من مساحة التجريب الواسعة التي تتيحها، لأنها لا تضع في حساباتها المردود “الشباك” أما على صعيد الفكر والطرح فعلى المخرج أن يتحلى بالشجاعة والقدرة على الصراع للوصول إلى نتيجة مرضية.
مطر حمص
يتحدث سعيد الذي حضرت الحرب في جميع أفلامه تقريباً، عن فيلمه “مطر حمص” الذي يقدم حكاية متخيلة في فترة عصيبة؛ مرت بها مدينة حمص حين كان على المدنيين الخروج من بعض المناطق، فاختارت بعض العائلات البقاء، في رسالة منهم يراها سعيد إجابة واضحة وبسيطة على معنى الهوية: “أنا هويتي بيتي”.
ويهرب سؤال من سؤال يتكرر حول فيلمه “مرة أخرى” الذي يصنفه البعض كنوع من “السيرة الذاتية” بينما يراه “ذاكرته عن والده” ومن كانوا حوله، في فترة محددة وحساسة من الزمن، سبّب نصه إشكالية استدعت التصرف في العديد من مشاهده، بالرغم من إيمانه بأنه لم يعد للرقابة من معنى في عالم جعلته الميديا والانترنت مفتوحاً أمام الجميع يقول: “الجمهور خرج من بين يديك”.
ويُسأل: “هل تتعمد أن يكون لفيلمك أكثر من دلالة؟ يجيب سعيد:
أنا أتوجه إلى جمهور عربي، بالأخص جمهور سوري حار متفاعل، ويحتاج إلى مستوى أول من الحكاية”.
أولوية السينما
وبرغم أن أجواء ما يحدث يشكل أساساً لفيلمه يرى جود سعيد أن الأمر لا يزال مبكراً كي ينقل وجهة نظره كمراقب، هو يشتغل الآن على نقل الواقع بحيوية لحظة حدوثه، ويقاتل لأجل قناعاته الفنية بالدرجة الأولى تاركا للمشاهد أن يلتقط الرسالة كل بحسب ثقافته ومعرفته: “بالنسبة لي هاجسي الأول أن أدافع عن الفن كوسيلة لقراءة المجتمع، كوسيلة حياة”.
سعيد الذي يصور حالياً عمله التلفزيوني الأول يؤكد على أولوية المشروع السينمائي، لكنه كسواه ممن خاض تجربة العمل التلفزيوني من السينمائيين، يعزو السبب؛ إضافة إلى مساحة الانتشار الأفقي الذي توفره الدراما التلفزيونية، فإن الهاجس الاقتصادي لا بد أن يكون دافعاً فرضته على الأقل؛ الأحداث الحالية: “الدراما التلفزيونية تمنح مشروعي السينمائي الحصانة”. و”أحمر” عمل تلفزيوني لا يتطرق إلى الأزمة السورية إيماناً منه أن التلفزيون فشل في طرح الأسئلة المصيرية، فالسينما أبقى وأقدر: “الأولوية للمشروع السينمائي”.
جود المهجوس بالواقع السوري والذي شكلت الحرب موضوع سينماه الأول حين يُسأل: “هل ترقى الأعمال السينمائية إلى مستوى وعمق وتعقد الأزمة السورية؟ يؤمن أن الزمن هو من سيحكم على هذه الأعمال فيقول: “أعتقد أننا كلما ابتعدنا زمنياً عن الحدث السوري سنعود بصياغة تجارب أكثر نضجاً” وعاشق السينما التي يراها مقياساً  للأمان والرقي والتي تشكل محور حياته يقول: “أتمنى لابني القادم آرام وجيله في دمشق أو بيروت أن يقف في دور طويل للدخول إلى السينما كي يحضر فيلماً عن الحب، عن القيم، عن الأشياء الجميلة حتى في زمن الحرب” يقيناً منه أننا وخلالها نستطيع استنباط  قيم تُعلي قدر الإنسان وترفعه إلى مصافٍ مختلفة أخرى.
بشرى الحكيم