ثقافة

“الحظ في مسيله”.. ترميم الجمال الذي خانته الحرب

فلسفة ورمزية الإدهاش في دائرة المجهول والانتظار يتسلّط نرد الحظ، كما يسود الشعر عرش الخيبات والآلام، لتأتي القصائد بهية بكل حللها، فتّانة بكل ما يراق من نزف في شوارع الوحدة والوجع، وفي فلسفة خاصة، ولغة تعددت مصطلحاتها، تمكّن الشاعر رضوان أبو غبرة في مجموعته الجديدة “الحظ في مسيله”، من ترميم الجمال الذي خانته الحرب، مبتعداً في رؤاه ونصوصه عن كل ما يؤجج القبح، لكنه يستثمر مفردة الموت لتكون ثروته اللغوية، كما يقول في نصه “حدثيني عن الفرح”: “الموت.. أكتب بهذه المفردة منذ افتتحت برعم الكلمات.. أكتب ولا أموت أكتب وأنتظر الموت. موت- ثروتي اللّغوية”.
هكذا تتحول هذه المفردة من يد تضرب أوتار أيامنا إلى ثروة يستثمرها الشاعر في بلوغ القصيدة، وأمام هذه اللغة الثرة تتضح قدرة “أبو غبرة” على شعرنة كل ما يقع في ضوء قصيدته، فنراه يطوّع زوايا الرياضيات، ومصطلحات الطب ليسبك منها نصوصاً يصفعك إدهاشها، فيقول في نص “مثلثات”: “لبرهة انشغلت بإعادة المثلث إلى جذره الهندسي، وقتها راحت سمكتان صغيرتان تثقبان زاوية الماء وكنتُ إحداهما”.
وإن كانت الأنثى حاضرة غائبة في مجمل نصوصه، فهي تتستر بكاف الخطاب، وظلال الرمز، والإشارة، ملوحة بضوء تاء التأنيث للعناوين المنغرسة على الصفحات الصفراء، يقف أبو غبرة في فيء الانتظار ليشهد سنابل النرد، علّه يجمع قمح القصائد بمناجل اللهفة، ويشد حبال المضارع في أزمنة النصوص، حيث تدفع الرمزية بأشرعة الوحدة والعزلة نحو عرزال الشاعر، فيضرم العناوين، ويمسح رأس الذكريات، لتتوقف عن العناد، وأمام هذا كله تظهر الأنثى بعباءة الاسم في نصه “أحب ابتسامة فاطمة”، دون أن يمنحها صفة، تاركاً للقارئ متعة الاكتشاف، فيقول:  “فاطمة أعمق من نصوصي، هي تعرف أن ترصد النبع، وأنا أنتظر خلخلة الطالع، فاطمة تجلب الماء، وأنا أستحضر سوء الحظ غالباً”.
وفي حين تأخذ نصوصه شكل المقاطع المسلسلة بأرقام متتابعة، فإنه لا يتوانى عن وخزنا بجملة شعرية قصيرة دالة على خيوط ضوئية تربط المقاطع فيما بينها، وكأنه يريد تنبيه حواسنا بشحنة محرّضة على التخييل والإدراك في آن، فيقول: “يرشح عطرك من قارورة المكان”.
لا يمكننا استعراض جميع جوانب المجموعة على غناها الفكري، والفلسفي، والفنيات الجمالية، ففي تعريفه للشاعر يقر بأن الشك أداة الشاعر ليطعن بكل ما تدركه الحواس، يقول في “صورة فوتوغرافية لشاعر”: “يليق هذا الأنف بهذا الشاعر، فتحتان من مسامات الشك ترصدان الهواء المغاير، هواء يروق للتنفس الحر”.
“الحظ في مسيله”، مجموعة شعرية جديدة للشاعر رضوان أبو غبرة، صادرة عن دار أرواد، 175 من القطع المتوسط، لوحة الغلاف للفنانة لينا رضا.
خضر مجر