“الكـتـاب المـسـمـوع”.. رؤيـة مـتطـورة لـفـكرة الـقـراءة
“الحاجة أُم الاختراع” هذا ما يدفع بنا للتفكير بالوسائل التي تسهل وتدعم القراءة مهما كانت طالما هي في سبيل التنوير والعلم. بدأت مراحل تطور الكتاب وتحول من كتاب ورقي إلى الكتروني ليسهل إيصالها للجميع، واليوم يسير العالم على أمل توسيع باب القراءة للتثقيف من خلال تسجيل الكتب صوتياً لأسباب تعتبر وجيهة وأهمها لذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة فاقدي النظر، وتبدو تجربة تستحق الوقوف عندها. من هنا كان لنا هذه الوقفة مع عدد من الشباب لمعرفة أرائهم في هذا التحوّل الجديد، وقد رجحت كفة الميزان في أن متعة القراءة لا تضاهيها متعة الاستماع، فهي أكبر عملية ذهنية بنّاءة تمر بالإنسان، ومع أن حاسة السمع لم تتفوق على النظر إلا أنه كان لها نصيب من المشجعين للكتاب المسموع.
القراءة رسم للكلمات
في البداية، أكدت علا –تعمل في مكتبة- أن لكل كتاب ميزات، لكنها ترى متعة القراءة في الكتاب الورقي أفضل فقالت: إن القراءة من كتاب تقوي المحاكمة العقلية للإنسان، وتدربه على الحوار مع نفسه بوضوح أكبر، وتجعل لصوته الداخلي قيمة مدركة التأثير، ومن الممكن عن طريقها تقوية العقل الباطن، وفي الكتاب يكون التركيز أكبر، حيث يمكن وضع سؤال أو إشارة عند أي سطر يعنيني، بالإضافة إلى أن للكتاب أهمية أدبية وعلمية، فعالم الخيال الذي تنسجه الكلمات يوصل الفكرة بوضوح وترتيب أكثر، حتى أن ترتيب الأفكار ضمن فصول يجعلها أكثر ثباتاً بالحفظ، كما أن الكتاب يتيح تأمل رسم الكلمات وفي هذه الخاصية جمالية نوعية بالإضافة إلى الراحة التي يوفرها سطوع الضوء على بياض الورق.
وتضيف: للكتب الصوتية ميزاتها، فيمكن الاستماع إليها أثناء العمل فهي مفيدة لتحسين الأداء الذهني حيث تبث الطاقة التحفيزية الإيجابية، وتقلل من إرهاق العين وضرورة توفر الضوء المناسب، ومن الممكن أن تؤنس إذا كان الصوت ذو طابع مريح وهادئ، أو إذا كان الشخص يعاني من ضجيج أفكار داخلية.
رائحة الورق
لكن ضحى- طالبة الآداب- لم تتقبل فكرة الكتاب المسموع لأنه من وجهة نظرها الاستمتاع يكمن في قدرتنا على القراءة وليس الاستماع، ومتعة القراءة في النطق بكل حرف والشعور به، فصوت القارئ الداخلي هو ما يجعل القراءة عملية مفيدة وممتعة التي تكمن بلمسة أصابعي للكتاب، واحتضانه بين يدي لأحس بحجم الخط ورائحة الورق التي أعشقها كثيراً.
متوفر ومجاني
ويرى طالب الهندسة مصطفى أن القراءة الورقية أفضل، لأن الصوت الداخلي عند كل شخص ترافقه حواسه بطريقته، وعند الاستماع تفقد قيمتها، فلن يستمتع المستمع بالسرد، ولن يستطيع ملامسة عمق الكاتب، بالإضافة إلى أن الكتاب المسموع هو اعتداء على الكتاب بشكل قاسٍ وبداية لدفنه، لكن تبقى له ميزة وحيدة أنه أرخص من الكتاب المحمول فهو متوفر بشكل مجاني.
إتقان لغة الكتاب
وحظي الكتاب المسموع بمشجعين فحسب ما حدثتنا نور –الطالبة- أنها فكرة جميلة، الأمر لا يحتاج لأكثر من صوت يتقن لغة الكتاب ليستطيع الشخص الاستماع بأي مكان في العمل أو السيارة، لكن السلبية الوحيدة أن المستمع يتشتت تفكيره بسبب أي منبه خارجي مما يؤدي إلى إضاعة الفكرة، أما القراءة في الكتاب الورقي فتكون حواس الشخص وإرادته تحت أمرة هذا الكتاب.
ووافق الطالب أحمد صديقته نور فيما يخص أسلوب القارئ فيقول: الاستماع لمن يقرأ بأسلوب مشوق أمر رائع، لكن لا يسمح بتشكل الشخصيات في ذهن القارئ مثلما يحدث حين نقرأ، لذلك أنا أفضل القراءة، مع أنه يمكن تسجيل الكتب صوتياً حسب نوعها إذا كانت اجتماعية هادفة أو نفسية أو فلسفية.
ذاكرة سمعية أقوى
وتضيف جلنار –طالبة تاريخ- : استمعت إلى العديد من الكتب من هذا النوع، وكنت أشعر براحة واسترخاء عند الاستماع، كما لاحظت أنني أتذكر ما سمعته أكثر مما قرأته لأن ذاكرتي السمعية أقوى من البصرية، ولا أنكر أن متعة القراءة لا تضاهيها أي متعة أخرى، لكن فكرة الكتب المسموعة تبقى جيدة إذا كان من يسردها متمكناً من حيث اللغة والأسلوب وطريقة الإلقاء.
تعلم لغة ومعرفة
ومن وجهة نظر أخرى، وتشجيعاً لفكرة ثانية يرى الشاب عبد الله أن الكتاب المسموع شيء مفيد جداً لفاقدي البصر وكبار السن، ومفيد للأشخاص الذين يريدون تعلم لغة أخرى، فسماع الكتب الانكليزية مثلاً يحسن اللفظ للبعض، عدا عن هذا فالقراءة أمتع طبعاً.
ويشارك منير الرأي في أن متعة الكتاب في قراءته ومعرفة كلماته، والمهم في القراءة ليس المعرفة فقط بل احترام الكتاب، وإعطائه الوقت الكافي والمناسب، لأنها تفتح للروح أبواب المعرفة ومن لم يجد للقراءة وقت لن يجد لروحه عزلة المعرفة.
ضد التحويل
وبالنسبة لطالبة الطب نورا فتقول: لست مع الكتاب المسموع وضد تصوير وتسجيل الكتب صوتياً خاصة الروايات، مثلاً رواية ذاكرة الجسد خضت معارك كثيرة حتى حصلت عليها، وحلمت بقراءتها أربع سنوات، وعندما وجدتها شعرت بأنها فعلاً رواية تستحق الانتظار وكل تلك الحروب، وبقيت في مقدمة كل الكتب التي قرأتها من قبلها، وعندما شاهدتها كعمل تلفزيوني قلت لنفسي “يا ريت ما شفتا” فقد قاموا بتخريب صورتي وفكرتي عنها، وشوهوا الرواية في الوقت الذي كان يفترض بهم أن يضيفوا لها. عندما أقرأ انتقل إلى عالمي الخاص بصوتي، وعند تسجيل الكتاب تذهب هذه المتعة، لكن من الممكن تسجيل الكتاب للمكفوفين أو لكبار السن الذين لا يستطيعون القراءة.
لنا كلمة
إن للقراءة متعة أكبر من الاستماع لأنها تسمح للخيال بالاندفاع كما يشاء، وفي كل مرة يعاد قراءة نص ما، تختلف طريقة التفاعل، بينما يقود الاستماع لوجهة معينة تتكرر بتكرار صوت القارئ، لذلك إن تأثير صوتنا على عقولنا أقوى من تأثير غيرنا عليه، ومع ذلك تبقى فكرة الكتاب المسموع جيدة لمن لا يملك وقتاً لإمساك الكتاب ويستمتع بالاستماع أثناء السير والجلوس في مكان هادئ.
جُمان بركات