ثقافة

أوركسترا أوغاريت وسامر أحمد بألوان من موسيقا الشرق

أغنيات فيروز والرحابنة وزكي ناصيف التي كان صداها يشبه عبق الرياحين المتسربة إلى القلوب، كانت حاضرةً بصوت سامر أحمد بمرافقة أوركسترا أوغاريت بقيادة عازف الأكورديون وسام الشاعر على مسرح الأوبرا، لتكون هذه الأغنيات المحور الأساسي في الأمسية التي انطلقت من مقطوعة أوغاريت تأليف الفنان الشاعرالمستوحاة من أصداء أول نوتة موسيقية وجدت في بلاد الشام إلى موسيقا الأندلس وبابل.

تميزت الأمسية بحضور آلة الأكورديون كآلة أساسية في أعمال الرحابنة، مع الدور الذي أداه عازف البيانو إياد جناوي على مدى الأمسية كصولو وكتلوين موسيقي هارموني وإيقاعي يتداخل مع نغمات الجمل اللحنية، ليشكّل عازف الغيتار طارق صالحية فاصلاً هاماً في الأمسية،التي عبّرت عن ثبات الشعب السوري وصموده إذ كان من المقرر أن يهدي الفنان سامر أحمد هذه الأمسية إلى الملحن شادي محمد لتكريمه، لكن شاءت الأقدار أن يستشهد في اليوم ذاته. فيقدم الأمسية من أجل السلام لأرواح شهداء سورية.

بريستو أوغاريت
خيمت الموسيقا الشرقية على الأمسية لاسيما أن أوركسترا أوغاريت المؤلفة من الآلات الشرقية والفيولا والتشيللووالكونترباص والإيقاعيات والغيتارمتخصصة بموسيقا الشرق، فبدأت برنامجها المتنوع بمقدمة أوغاريت وهي أشبه بافتتاحية من تأليف الموسيقي وسام الشاعر، والتي اشتركت فيها جميع آلات الأوركسترا بوتيرة لحن متسارع يمضي بإيقاع سريع ليوضح أن الزمن يتجدد وصولاً إلى الواقع الراهن، ومن ثم يمهد صولو القانون للعازف عمران عدره للحن الهادئ والبطيء الذي يتكرر، ويسجل حضور هذه الآلة الواضح في عمل تاريخي مستوحى من أول مقطوعة لموسيقا أوغاريت بالعلامتين اللام والميم .وفي تجديد في الشكل الموسيقي يظهر حضورصولو البيانو للعازف إياد جناوي بلحن واحد متكرر،لتعود الفرقة مجتمعة إلى عزف اللحن الأساسي الهادئ على مقام الرصد الأكثر انتشاراُ في منطقة بلاد الشام وتنتهي المقطوعة بعودة اللحن السريع (البريستو)وبقفلة قوية تعلن الوقوف عند عتبة دمشق بوابة التاريخ.

التلوين الموسيقي للبيانو
شغلت أغنيات السيدة فيروز والرحابنة القسم الأكبر من الأمسية بتوزيع الشاعر على التشكيل الموسيقي للأوركسترا بما يتناسب مع اللحن الأصلي الكلاسيكي، الذي وصفه بالسهل الممتنع، والملفت أن الشاعر كان قريباً أكثر من الجمهور في هذه المقطوعات ذات النغمات الرقيقة من عزفه مقطوعات آستور بيازولا العالمية، لتتناغم مع نغمات البيانو للعازف إياد جناوي الذي أدى أشكالاً إيقاعية وهارمونية من خلال وجود آلة البيانو بشكل تلوين موسيقي أكثر من منفرد، والتي تضاف إلى الألحان في أعمال الرحابنة الكلاسيكية، حسب جناوي، في حين أخذ البيانو شكل الصولو في مرحلة الحداثة كما في أعمال زياد رحباني.
وفي أغنية” على جسراللوزية” بدا حضور الآلات الشرقية مع صولو الناي للعازف جورج الضاوي، وصولو البزق للعازف رأفت بو حمدان، وتتالت بعدها أغنيات “إلك وحدك-سرقني الزمان-“.

الحالة الشعبية
في تصاعد إيقاعي للأمسية أفرد الشاعر مساحة خاصة ليمثل الحالة الشعبية للغناء الإفرادي لسامر أحمد في أغنياته الشعبية مع عزفه على العود “مثل القصب، ياورد، أم الوفا”من مقام البيات والحجاز كمدخل يمهد للانتقال إلى موسيقا بابل والملحن كوكب حمزة،الذي اعتمد على تنوع الغناء التراثي لمنطقته ودمجه بأنواع مختلفة من الموسيقا،مثل أغنية “مضيعني بالضباب” التي سُبقت بصولو التشيللو للعازف عماد مرسي وتميز بنمط لحني حزين تداخل في مواضع مع الكونترباص والإيقاعيات “الدف” كلحن مرافق خافت.

ثنائية سؤال وجواب
انتقل إيقاع الأمسية إلى موسيقا قرطبة بمشاركة عازف الغيتار الأول طارق صالحية في لوحة موسيقية صولو سماعي قرطبة تأليف حسين سبسبي، أبدى فيها صالحية تمكنه من تقنيات الآلة بعزف المقطوعات الشرقية،لتشترك معه في مواضع ثانوية آلتي البيانو والأكورديون، ومن ثم يدخل صالحية وصلة ارتجالات رائعة من مقامات وإيقاعات مختلفة وصولاً إلى صولو لونغة وانيس من مقام حجازكار، ليشترك معه الشاعر بثنائية بين الغيتار والأكورديون بتشكيل موسيقي يشبه حالة السؤال والجواب.

تكريم فواز العلي
وعلى هامش الأمسية تم تكريم المؤلف الموسيقي فواز العلي لجهوده التي قدمها في مجال التأليف الموسيقي ومؤخراً مقطوعة تانغو العائلة، التي عزفتها فرقة التانغو السورية سابقاً، وأعادت أوركسترا أوغاريت عزفها بحضور الكمان للعازف شادي العلي الذي أخذ دور اللحن الأساسي.

فواصل إيقاعية
في نهاية الأمسية عاد الشاعر إلى الفيروزيات بأغنية يامايلة عالغصون ..فايق ولاناسي، والتي تميّزت بحضور الآلة الإيقاعية اللحنية الغلوغن شبيل التي عزف عليها عازف الإيقاع علي أحمد والذي شارك في المقطوعات السابقة على الطبلة، وفي أغنية ع دروب المحبوب لزكي ناصيب بدا حضور الإيقاعيات والأكورديون كفواصل موسيقية وصولاً إلى أغنية جوليا بطرس “يا قصص الله يكون بعونك، التي غنتها بطرس في عام 2014بمرافقة أوركسترا مؤلفة من 160عازفاً بوجود العازف وسام الشاعر الذي أعاد توزيعها وفق تشكيل الأوركسترا المؤلفة من عشرين عازفاً إضافة إلى أربعة أعضاء كورال.
ملده شويكاني

شام كردي:الأغنية السورية تسير نحو الهاويةدفعها حبها للفن لطرق بابه عدة مرات، ورغم جمال صوتها وطلتها لم يفتح لها الباب إلا متأخراً، فغنت للحب والوطن وكذلك لعمالقة الطرب العربي، ومؤخراً أحيت ذكرى الراحلة ربا الجمال في أمسية طربية على مسرح الحمراء، كما حل صوتها ضيفاً في منازلنا عبر شارات المسلسلات السورية، فأخذنا إحساسها إلى مساحات من الفرح والأمل وإلى الشام.. إنها “شام كردي” المطربة الجميلة التي ترفض أن تغني إلا بحب وإتقان وحرفية، ويليق صوتها بأكبر المحافل الموسيقية وأرقاها، وللوقوف على تجربتها الفنية والحياتية التقتها “البعث” وكان الحوار التالي:

<  كيف تقدم شام كردي نفسها للجمهور، وإلى أي مدى تتطابق شخصية شام المطربة مع شام الإنسانة؟.
<< باختصار أقول أنا مطربة تهوى الذوق الراقي ذا المعنى، لأكون امتداداً لمطربينا الكبار الذي تربينا على أصواتهم، أما التطابق بين شام المطربة وشام الإنسانة فهما تجتمعان في التعبير عما يختلج في قلب ونفس كل إنسان فينا من حب وألم وعشق ومعانٍ، بما فيها حب الوطن، لذا أستطيع القول أن شام المطربة لا تنفصل إطلاقاً عن شام الإنسانة.

عدم الاهتمام بالمواهب
<  تم اكتشاف موهبتك متأخرة، ومع ذلك استطعت تحقيق الحضور على الساحة الفنية من خلال المقومات التي تملكينها من صوت ولون غنائي على صعوبته أجدت فيه. بداية ما السبب في تأخر ظهورك الفني رغم ما تملكين من معطيات؟ هل هي أسباب ذاتية أم حالة تغييب؟.
<< أنا لم أظهر من العدم، لكن سبب تأخر ظهوري الفني يعود لعدم الاهتمام بالمواهب الشابة، والعلاقات والمحسوبيات، وعدم وجود شركات فنية تموّل وتدعم الفنان السوري، بالإضافة إلى شعوري باليأس والاستسلام من الفن ومن القائمين عليه، لذا استطيع القول أن هناك حالة من التغييب مما أسلمني كما قلت لك،  لليأس  والإحباط، فمحاولاتي لدخول الفن بدأت منذ عام 1998 من خلال برنامج نادي الهواة على أثير إذاعة دمشق، ومن  برنامج أحلى صوت في إذاعة صوت الشباب، بعدها سجلت  مجموعة أغانيات لصالح دائرة الموسيقا لعدة ملحنين وشعراء سوريين، ولأن طريق الفن صعب جداً  كانت علاقتي معه تتراوح بين مد وجزر، فقد ابتعدت عن الفن لأكثر من مرة وأخيراً وبعد يأسي الطويل، قررت الانضمام لفرق جماعية، منها فرقة “تهليلة” التي شاركت معها بعدة أمسيات في دار الأوبرا ومجمع دمر الثقافي، لكن  صاحب اليد البيضاء الذي وقف لجانبي وآمن بي هو المايسترو نزيه أسعد  حيث قام بترشيحي لأوبريت “بالحب نعمرها” الذي عُرفت من خلاله، وتتالت بعدها الأعمال الوطنية ومن ثم قدمت شارة مسلسل “نساء من هذا الزمن” بالإضافة إلى أمسيات طربية عديدة.

لماذا ربا الجمال
<   ليست المرة الأولى التي تكرّمين فيها الراحلة ربا الجمال بأمسية، فقد قدمت في الأوبرا منذ سنة أمسية مشابهة، لماذا ربا الجمال تحديداً علماً أنه لدينا أصوات طربية عديدة تستحق التكريم؟.
<< سبب تكريمي لها هو شعوري أنها أكثر فنانة سورية لم تكرم لا في حياتها ولا مماتها، وأنا بقناعتي هي فنانة استثنائية وكان علينا أن نقدّرها حق قدرها، خاصة أنها كادت  تتفوق على “أم كلثوم” لو أنها لاقت الدعم الذي تستحق، والمطربة الجمال من أقوى الأصوات النسائية في العالم العربي، لذلك ألرى أن إحياء ذكراها من خلال تقديم أغنياتها في أمسيات طربية، هو شيء من الواجب والتقدير تجاه فنانة رغم تاريخها الفني القصير إلا أنها تركت بصمة فنية طربية تستحق الوقوف عندها، أما سبب إحياء ذكراها للمرة الثانية فهو لفسح المجال لكل من لم يستطيع حضور الأمسية في دار الأوبرا لحضورها في صالة الحمراء، ومسيرتي في تكريم المطربين السوريين مستمرة، ولن تقف عند ربا الجمال، بل ستستمر وقريباً سأقدم حفلة للراحلة فايزة أحمد في دار الأوبرا، وسأطلق أغنيتي الأولى فيها وهي أيضا طربية لأنني أسعى للحفاظ على رونق الأغنية وخاصة الطربية منها.

شارات المسلسلات
<   قدمت شارة مسلسل “نساء من هذا الزمن” ما الإضافة التي يقدمها غناء الشارة للمغني؟.
<< الترويج الإعلامي للفنان من خلال العرض المستمر للشارة الدرامية في البداية والنهاية تعرف بالفنان، خاصة أن المسلسلات السورية تحل ضيفاً على كل المنازل السورية والعربية على حد سواء.
<  وكيف تنظرين للأغنية السورية الآن؟.
<<  الأغنية السورية للأسف تسير نحو الهاوية، خاصة في خضم هذه الفقاعات الغنائية التي  تدعمها معظم المحطات دون التفكير بمغزى الأغنية أو لحنها أو حتى في تصويرها كفيديو كليب، وللأسف أصبح من الشائع أن الأغنية السورية هي فقط الشعبية مع احترامي لكل من غنى اللون الشعبي، حيث هناك ألوان وأنواع من الغناء كثيرة في سورية، فنحن تربينا على اللون الطربي أيضاً وليس فقط الشعبي، والسبب في فشل الأغنية العربية بشكل عام، والسورية بشكل خاص، متكامل بين الكلمة واللحن والمطرب والترويج الإعلامي وهو السبب الرئيس لفكرة الجمهور “عاوز كده”.

دور الفن
<   برأيك ما الدور الذي يلعبه الفن في المجتمع وتحديداً في هذه الظروف العصيبة التي نعيشها؟.
<< الفن سلاح ذو حدين، من الممكن أن يستخدم بطريقة إيجابية أو سلبية فدور الفن خطير جداً ودقيق، خاصة في الأغنية لأنها تصل  لكل بيت وكل فرد في مجتمعنا الصغير قبل الكبير، لذلك يجب على الإعلام أن يكون دقيقاً في انتقاء أي عمل فني لأن له دوراً كبير الأثر في كلتا الحالتين السلبية أو الايجابية على حد سواء.

ملده شويكاني