ثقافة

فـي معرض علي الخالد الخرز الملون حكاية تشكيلية تدمرية

يؤكد الفنان الحفار علي الخالد مقولته الفنية أن لا فراغ في الكون، وهذه الحقيقة يتوسطها الإنسان في وجوده في هذا الكون العظيم، حيث يقف بين السالب والموجب مثل طفل تشده بقعة لون وتنفّره الأخرى. هذا الكون المؤلف من مجموعة لا متناهية من الجزئيات المحكومة بأنظمة وقوانين من التجاذب والتنافر في سراب يقودنا للبحث عن الحقيقة المطلقة فيه، وخوض هذه التجربة يشعرنا بوحدته وهيبته، وكذلك البحث في الفنون التشكيلية عن مضمون يفهمه الجميع، إنه لسراب محض. ويضيف الفنان الخالد على هذه المقولة في معرضه الجديد الذي قدّم له بحديث عن تجربته التي تمتد لسنوات طويلة من خبرة في إنتاج اللوحة المحفورة، وعن تقنيات الحفر المدهشة وتعليمها لطلابه في قسم الحفر في كلية الفنون الجميلة إذ يقول: “من المؤكد أن العمل التشكيلي لم ينته بعد، ولن ينتهي. إنه كالانشطار النووي الذي يفضي بنا إلى التلاشي في فضاء الطاقة المتناهية، ولو تتابعت التجربة واستمرت فإن دوافعها منوطة بقوانينها الفيزيائية التي تبعث البهجة في النفس، ونهج البحث المستمر بنشوة كشف جديد في كل لحظة.

ولو تعددت مصادر ثقافاتنا وتباينت، فإن مصادر فنوننا متعددة كذلك ولا حصر لها، وهي متجددة مثل الشمس التي تمدنا بالحياة التي لا تنضب.. وما بين المد والجزر تقف نقطة في أعلى القمة مثل حلم يفرض نفسه، وحلم آخر تصنعه أنت بيديك بصياغة عصرية متجددة على الدوام”.
بهذه الرؤية الفلسفية للعمل الفني يقدم الفنان معرضه الأخير المعنون بـ “الخرز الملون”، الذي افتتح أمس في صالة لؤي كيالي للفنون الجميلة، وفي الحقيقة هي حالة الحلم الملونة والمشكلة من مجموعة من الأحلام الصغيرة المكتشفة والمنتمية للحلم الكبير الذي صنعته ورسمته أنت من خلال معالجاتك وطوافك في عوالم الحفر المدهشة.
لمدينة تدمر أثرها البالغ في وجدان هذا الفنان الشغوف بالنقوش الآدمية على الأرض والعمائر والنفس، حتى ملامحه الشخصية لا تخفي أثر التاريخ والصحراء والحكاية التي يحملها منقوشة على خاتم يده، وتفاصيلها الملحقة في أكداس الصور والأشكال الشاردة والمبعثرة بين يديه. ومن بلاغة الحضور أن يضيف د. عفيف بهنسي في تقديم المعرض متحدثاً عن هذا الفنان التدمري الأصيل ويتساءل: “ما الذي تحوّل في كيان هذا الأعرابي ذو العباءة الذهبية ذات يوم عندما دخل قسم الحفر، أو ذات يوم عندما ارتدى قميص  “البوزار” في باريس، وأخيراً عندما أمضى في برشلونة الأندلسية ساعات التأمل في مخلفات الزمن العربي على حواف الطبيعة والتاريخ. كأني عرفت سر تحوله عندما استجمع أنفاسه شفافاً صريحاً يقول: “هذه الرؤية والرؤيا وقد تحولت إلى لوحة تحمل سر ما وراء الأشياء والوصف.. فقد كان وجهه الحالم والصامد مرآة للمثول أمام دهشة المتلقي في معرضه الخرز الملون، الذي جمع خلاصة ما انعكس على شبكية بصيرته، ليكون شاهداً على جمال لم تألفه صور الفن حتى في عصور التجريد والتصوف السريالي، لقد تجاوز سيطرة الأزاميل ومواسير الألوان، وانتمى إلى مفاتيح حاسبه ولوحته الضوئية ليرفد عصر التقانة والمعلومات”.
ويضيف في التقديم ما كتبه يوماً الفنان الراحل فاتح المدرس: “لكي نتعرف على علي سليم الخالد علينا أن نتعرف على سر الحضارة والجمال التدمري، وإن امتلاك هذا الفنان للدقائق التقنية العلمية أنعشت الطاقة الإبداعية الكامنة في وجوده، وكلما تأملنا عملاً من أعماله نرى صفحات تحفر بحب عميق تاريخاً حياً له صفة الخلود. وأعماله تمنح الحبور الوجداني، وهذا شرط من شروط الفن الجميل الذي يخاطب العقل أيضاً، له سمة روح الشرق العربي التدمري وهذه السمة بحد ذاتها أبجدية بناء توصف بالديمومة وهي من حضارة الفكر.
وعلى هامش المعرض تم توقيع كتاب “علي الخالد الفنان والإنسان”  للفنان أنور الرحبي.
أكسم طلاع