ثقافة

سمير يزبك قامة غنائية متفردة

أمينة عباس

ليس من قبيل المصادفة أو الجهل بالشيء أن يعتقد الكثيرون أن الفنان سمير يزبك -صاحب اللؤلؤة الماسية الذي غادَرَنا قبل يومين- سوريّ الجنسية وليس لبنانياً، ذلك أن المرحلة الذهبية التي تألق فيها نجم هذا الفنان-المطرب- كانت المرحلة التي عمل فيها في سورية بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 حيث كان حينها قد حقق نجاحاً محدوداً في لبنان باعتبار أن الفترة التي عمل فيها مع الرحابنة وروميو لحود كانت قليلة، ولم تفسح له المجال لإثبات موهبته في عالم غنائي يتألق فيه وديع الصافي ونصري شمس الدين وفيروز وصباح، لذلك يمكن القول أن انطلاقته الحقيقية وولادته الثانية كنجم له حضوره كانت في دمشق، التي احتضنته بإذاعتها وتلفزيونها ومسارحها وأماكن سهرها، وما بخلت عليه يوماً فكانت المحطة الأساسية في انطلاقته العربية، وقد بادل الفنان الراحل دمشق حباً بحب فأهداها أجمل أغانيه فغنّى لعزّها ومجدها “يا سورية عزّك دام” وغنّى لعمّالها ومبدعيها “يا مهندس عمّر لي دار” وغنّى لرياضييها “رشّو الملاعب ياسمين” التي أبدعها بمناسبة إقامة الدورة الرياضية العربية بدمشق أواسط السبعينيات، وغنى لقيادتها “يا بيّ الخيالة” وهو لم ينقطع عنها حتى في سنوات مرضه الطويلة فكان يزورها بين الحين والآخر ليستعيد على مسارحها وبين جمهورها أمجاد الأمس وذكريات الانطلاقة الأولى.
وإذا كانت رحلته مع دمشق وفيها من أبرز المحطات التي وقف فيها فإن محطته الأولى مع فيروز والرحابنة تبدو هي بدورها ذات أهمية استثنائية، خاصة إذا علمنا أن الأمر كله كان بمحض الصدفة، عندما كان الراحل الكبير في سنوات المراهقة والصبا يعمل في صالة حلاقة نسائية كانت ترتاده السيدة فيروز التي استمعت يوماً إلى صوته فأعجبت به بما تملكه من إحساس مرهف وقدرة على التمييز، فكان أن اصطحبته إلى فريقها الرحباني المبدع، فتلقفه هذا الفريق وزجّ به في ميادين أعماله الفنية الغنائية والمسرحية، فأبدع أيما إبداع تاركاً لنا إرثاً غنائياً قلّ نظيره وعزّ مثيله.
سمير يزبك قامة غنائية متفردة أعطى الكثير للغناء العربي الأصيل، وقد أضناه المرض باكراً فعانده ردحاً لكنه استسلم أخيراً وما استسلمت الحنجرة الذهبية والتراث الغنائي الباهر.