في تكريم الراحل نذير نبعة راية النور والجمال لن تنكس
“كنت أحلم بلوحة تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض”.. حال كل مبدع ينشد التجاوز مثلما ينشد الناس وصولا لأوسع شريحة منهم، هكذا رسالة الفن التي آمن بها وكرس حياته لها الفنان الراحل نذير نبعة، الذي يمثل الحالة الأكثر تنوعاً وغنى في إنتاجه المميز بين أبناء جيله الذين عايشوا تحولات سياسية كبيرة في حياة أوطانهم، مثلما كانوا علامات جيل أوجعته نكبة الشعب الفلسطيني ونكسة حزيران وآلام الشعب اللبناني جراء العدوان الصهيوني وجرائمه، وصولا إلى غزو القوات الأمريكية وسقوط بغداد وتدمير العراق، وما يحصل الآن لدول عربية أخرى من محاولات لتدميرها وتمزيقها طمعاً برسم خرائط تناسب أطماع هذه القوى الشريرة التي لا يهمها مصائر الشعوب. هذا الجيل من الفنانين السوريين الذين أرسوا الملامح الصريحة للفنون التشكيلية في سورية، وجعلوا منه فناً ملتزماً ومقاوماً بما يعني من تطلع نقي للحياة والجمال ورفض القبح وأفكار التلوث البصري الذي يغزو هويات الأوطان ويشوه معالم الجيل الجديد، كما أضحى الفن التشكيلي السوري يتمتع بالملامح التي تقترن بأسماء مبدعيه، ومثال ذلك الراحل نذير نبعة الذي كرمته وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين أخيراً، فيما السبق كان لوزارة التربية التي أطلقت أسم نذير نبعة على إحدى مدارسها.
أقيم حفل التكريم في مكتبة الأسد وتضمن معرضاً للوحات بعض الفنانين وتوزيع كتاب صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان “نذير نبعة الإنسان والفنان المعلم:” من إعداد سعد القاسم وطلال معلا تضمن نصوصاً لعبد الرحمن منيف الذي تابع تجربته عن قرب، والفنان إلياس زيات الذي رافق الراحل في عمله الإبداعي والتعليمي لزمن طويل، كما تضمن ثلاثة نصوص كتبها الراحل في مناسبات مختلفة أولها عن معارض بابلو بيكاسو والثاني ما كتبه في تقديم معرضه “التجليات” عام 2003، والنص الثالث الكلمة التي قرأها في حفل تقليده وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة أواخر 2005 ومنها أقتطف:
“يتعرض الوطن في هذا الزمن الرديء إلى عاصفة عاتية تحاول هدم كل الملامح الحضارية التي تميزت بها هذه الأرض عن سائر الأوطان، كما تحاول بسمومها تبديد كل الأحلام والأماني الجميلة التي تضيء الدرب أمام إنساننا نحو المستقبل، في الشرق يعود هولاكو العصر إلى بغداد يلون مياه الرافدين بدماء أهلها بعد أن لونها قديما بأحبار كتبها ..”.
هذه هي سورية الحضارة ..سورية الإنسان الذي أعطى للبشرية أول أبجدية في التاريخ على أرض أوغاريت، اليوم أحمل هذا الوسام بالإنابة عن كل المبدعين التشكيليين في سورية الحبيبة والذين أعتقد أن بعضهم يستحق هذا التقدير أكثر مني، كما أعاهد باسمهم الوطن ألا يجبرنا الخوف على أن ننكس راية النور والجمال.. وأن تظل مرفوعة في وجه الظلام وستظل جذورنا مغروسة بأرض الوطن في زمن العسر كما في زمن اليسر وفي زمن القحط كما في زمن الخير”.
أكسم طلاع