ثقافة

فيلم “ألف كلمة”.. النظام الرأسمالي إجهاض لمبادئ العدالة الاجتماعية

قد لا تكون حياة أفراد الطبقة الكادحة -العمال والفلاحين- هي أجمل أنماط الحياة، ولكنها قطعاً أقرب أنواع الحياة البشرية لكافة أشكال الحياة الطبيعية لأن الفعل فيها يساوي الثمرة، “ازرع تأكل” بينما نجد في النظام العالمي الرأسمالي اليوم مهناً كثيرة جداً هي عبارة عن ثرثرة وسمسرة والمخيف أن هؤلاء يتقاضون أجوراً عالية ويكنزون الذهب ذلك هو حال بطل فيلم “ألف كلمة” تأليف ستيف كورين وإخراج براين روبنز. السمسار جاك مكال وقد أدى الدور الممثل الشهير “إيدي ميرفي” فهو وكيل أدبي يسوق للكتب بغض النظر عن محتواها وهو رجل متسلط ثري طموح مغرور يستخدم ذكاءه وعباراته المنمقة ومهارات لغة الجسد لتحصيل الثروة ولتنفيذ إرادته حتى على الصعيد الأسري.. وهو لا يتوانى عن الكذب أو عن قول أي شيء من شأنه أن يعود عليه بالمنفعة، ويُعد من أشهر السماسرة في مدينته، وفجأة يجد جاك في حديقته شجرة ضخمة ظهرت من العدم.. وسرعان ما يكتشف أنها مرتبطة به بشكلٍ ما، حيث أنه يتأذى إن أصابها أيُّ أذى.. وكلما نطق كلمة سقطت منها ورقة.. يستعين جاك بالكاهن سينجا وقد أدى الدور الممثل “كليف كورتس” فيلفت سينجا نظر جاك إلى كون الأشجار إذا فقدت جميع أوراقها تموت وينصحهُ بعدم الكلام إلى أن يجدوا حلاً لتلك المعضلة.
وفي سياق آخر من الحكاية يظهر جاك ضحية لأبٍ مستهتر هجر والدتهُ وانقطعت أخباره منذ أن كان طفلاً.. لكن الغريب أن والدته العجوز تناديه باستمرار باسم والده ريموند ورغم أن جاك يُذكرها بنفسه باستمرار ويخبرها أن والده ريموند قد توفي منذ زمن إلا أنها تصر على التعامل معه كما لو كان ريموند.. ثم تداهم جاك رؤى تكون أقرب إلى العودة في الزمن منها إلى أحلام اليقظة وحتى عندما يرى نفسه طفلاً فإن (جاك الصغير) يراه ويخاطبه كما لو كان والده ريموند. يعجز جاك عن ضبط نفسه بعد أن خسر عمله وزوجتهُ وسائر العلاقات المبنية على مقدرته الكلامية.. ويلجأ إلى الأعمال الخيرية علَّ اللعنة تزول عنه لكن دون جدوى. تصبح عبارات جاك مدروسة جداً وبليغة وتتكرر تلك الكلمة التي لطالما أدخلت السعادة إلى قلب بني الإنسان “أحبك” حين يرى أنه يوشك على الموت لكثرة ما استنفذت الشجرة من أوراقها وفي نهاية الفيلم يتمكن جاك من تحقيق حياة طبيعية بعد التزامه بقول الكلمات الضرورية والحقيقية فقط لمن حولهُ وتوجهه للعمل والفعل. ولعل الرسالة هي أن الإنسان كالأشجار يحمل المعاني كما تحمل الأوراق ، وفيها حياتهُ.. وكثرة الأقوال والكذب تُذهب المعنى حتى يغدو الإنسان محض عناقٍ لمجموعة من الأقنعة تتدحرج دونما روح ودونما معنى سامٍ للحياة.. فإن كانت المطامع والمظاهر والأنانية لا المعاني الإنسانية هي ما يقودنا في الحياة فلا فرق بيننا كلنا أقنعة ٌ على أقنعة، لافرق بين الضحية والجاني.. بين الأب وابنه وعالمنا المتحضر المزعوم مبني على تراكم الكذب فالمعاني التي تزخر بها العلاقات الإنسانية هي منبتُ الجمال الحقيقي، وهي أكبر من القول وحده أو الفعل وحده..
سامر منصور