ثقافة

جو متقلّب نسبياً..

تستيقظ صباحاتنا باكراً إن كانت على موعد مع الشمس، تنهض بكامل صباها، تتمطى كما تفعل الأميرات، تجدد عذرية الوقت، معلنة بداية جديدة للأمل.
أترفق أشعتها، فتمد يدها لتمسح عن جبيني بقايا ثلج قد مات.. وأمد لهفتي لأنزع من قلبي بقايا برد قديم لا يد فيه للشتاء.. هو قديم قدم الحكايات.
المكان: شرفة بيتي.. الزمان: أصنعه الآن.. تمر الشواطئ، والجبال، والسهول طازجة أمام عينيّ، وكأن البلاد كلها دخلت بيتي بغتة.. أهلاً وسهلاً بالدفء.
كل شيء هذا الصباح يحدث عن الحضور اللامرئي لله.
أخبئ فرحي إن حلّ بي كي لا تحسدني عليه الخيبات.. أنا التي إن أشرقت الشمس صباحاً أحاول ألا أصدق.. فكيف إن كان بداخلي كل هذا الإشراق..!.
لا أعلم إن كنت أتقاسم مع أحد منكم شعوري هذا؟!.. فمنذ بداية الحرب صار الجمال يترك على شفتي مذاق الموت.. أحاول أن أتمسك به، أن أحميه، فمنظره وهو يتناقص إلى اللاشيء، بينما يقف الإله جانباً لا يرفع يده قليلاً ليجعل هذا الجمال خالداً، يحز في النفس.. ااااه لو كنت إلهاً..!.
تستلقي الشمس المغناج على صدر البحر بلا استئذان، وما إن يرتعش قلب مائه من حرارتها حتى تأخذه المحتالة معها فيرتاح في أول غيمة بجانبها هناك.
أجمل وأسوأ ما فينا في الوقت ذاته أننا ننسى ونعود لنضحك من تحت خط العطش والبرد، راضين بأقل القليل من رغد الحياة.
المكان: شرفة روحي- الزمان: أي زمان.. يطل علينا العنف من كل صوب كأنه صار ينتمي للهواء الذي نتنفسه.. لماذا كل هذا العنف يا الله؟! لم لا ينتهي؟! وكأن الأرض لا تحتمل كل الأجناس، وكل الديانات، وكل الاختلاف؟.. في كل لحظة تمر في رأسي صور، ومشاهد، وأخبار، وجثث، وأشلاء، وبقايا أثر.
كنت دائماً أحب الناس عن قرب، ولكن على ما يبدو كلما تقدم بي القهر ازدادت لدي الرغبة بأن ألوّح لهم فقط من نافذتي الزرقاء.
يسألني صباحي هذا الصباح وأنا أجمع قواي للنظر إلى وجهي في المرآة.. وجهي الذي رفض أن يتعرّف عليّ منذ سنوات.. يسألني صباحي: ما الذي غيّرني؟.. من سرق من شفتيّ عسل الضحكات.. فجعل الخريف يزور أوراق عمري في كل الفصول؟..
لا أعلم بالتحديد ما هي الأسباب!.
أهو موت أمي الذي كسر ظهر قلبي..؟!.
أهو قدوم داعش، واندلاع الحرب التي أكلت كل أخضر فيّ، ولم تبق إلا اليباس؟!.
أهو حبيبي الذي يتذكرني قبل الظهر، وبعد الظهر ينساني.. وأنا أعلم أنه يخونني افتراضياً الآن، وجلّ ما أفعله أنني أضحك كالبلهاء..؟!.
كم أكره أن تتحول حياتنا لصدف طويلة الأمد.. الحياة بلا تفاصيل كرة جوفاء.
أشعر بالأسى عندما أقول هذا: (إذا أردنا لحياتنا أن تثمر علينا أن نتخذ القرار الذي ينسجم مع الإيقاع المخيف لواقعنا..)، ولكن على ما يبدو سيبقى “ليس باليد حيلة لآخر الحياة”..
على كل “نكاية” بالظلم سأضع الآن أحمر الشفاه، وأصعد خشبة مسرح النسيان، وأضحك كثيراً، وألعب دور الفرحان.
لينا أحمد نبيعة