لماذا يتم تكريم المبدعـيـن العرب بعد موتهم؟
يتعرض الكثير من المبدعين ممن قدّموا خدمات جليلة لأوطانهم للإهمال والنسيان وبخاصة في أواخر أعمارهم، فيعيشون الفاقة والفقر أحياناً، أو المرض في أحيانٍ أخرى وكأنهم نسيٌ منسي، بعد أن ذبلت سنيّ أعمارهم على طريق خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم.
سمعنا خلال السنوات الماضية الكثير من القصص لمبدعين لم يأخذوا حقهم من الاهتمام، بل إن بعضهم لم يجد ما يسد رمقه أو علاج مرضه، ولم تلتفت لهم المؤسسات الثقافية العربية أو المسؤولين، وهذا يشكل نكراناً لجهودهم وخدماتهم.
يقول أحد الكُتّاب: “نحن نجوّع الرموز والكتاب والشعراء حتى نقتلهم جوعاً وغبناً، ثم نحتفي بهم بعد موتهم ونضع صورهم على العملات ونسمي الشوارع بأسمائهم، ونقيم المهرجانات التي تصرف عليها الملايين وتستفيد منها فئة معينة”، وعلى الأغلب لا يتم ذكرهم أو تكريمهم والاحتفاء بهم، إلا بعد موتهم، وهو ما سماه بعض الكُتّاب بـ (التكريم القاسي) أو التكريم (بعد فوات الأوان)، وكان رحيل هؤلاء المبدعين منبهاً أو صحوةً أعادت لنا وعينا فاكتشفناهم ولم نكن نفطن لوجودهم بيننا، أو كنا نتجاهلهم، بل هم مبدعون لهم آثارهم التي عُرِفوا من خلالها.
وفي مكان آخر يقول كاتب آخر: “كلمة مديحٍ لي وأنا على قيد الحياة خيرٌ من ألف كتابٍ يُكتب بعد موتي، ولكن للأسف يكرّم المبدع بعد موته فأين نحن منه في حياته”. وكأننا في حالٍ كهذا نقول له: أيها المبدع العربي الكبير، إننا ننتظر موتك لنقوم بتكريمك والاحتفاء بك، ولكنك ستبقى مهملاً لا أحد يهتم بك وأنت حي، وكأني بلسان حال الفقيد يقول:
لأعرفنــــــــك بعد المـــــــــــــوت تندبنـــــــــــي
في حيـــــــــاتـــي مــــا زودتـنـــي زادي
فإن حييت فلا أحسبك في وطني
وإن مرضت فلا أحسبك عوادي
إن تكريم المبدع العربي في حياته يرفع من شأنه أمام مجتمعٍ يعرف به أبناء وطنه أكثر فأكثر ويزداد إبداعاً، والمبدعون في جميع المجالات بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية، يمثل التكريم بالنسبة لهم اعترافاً من المجتمع بإبداعاتهم، والاهتمام بالمبدعين في حياتهم يعطي صورة عن احترام الأمة ثروتها البشرية واعتزازها بحاضرها من أجل بناء مستقبلها، كما أنه يمثل صورةً إيجابيةً للأجيال اللاحقة لتشجيعهم على الإبداع والتميّز، أما إهمال هذه الفئة فإنه يمثّل تجاهلاً للجهد الذي قدّموه وعدم الوفاء لتاريخهم الإبداعي وسنوات عمرهم التي أفنوها في سبيل خدمة وطنهم العربي ومجتمعاتهم.
من المهم تخليد العلماء والمبدعين الذين رحلوا من خلال تسمية الشوارع والساحات والمدارس والمؤسسات بأسمائهم، من أجل تخليدهم واستذكار منجزهم الإبداعي لتشجيع الشباب على اقتفاء آثارهم في التميّز والإبداع، لكن الأهم من هذا كله الاهتمام بهم في حياتهم والحفاظ على كرامتهم، وتوفير العيش الكريم لهم وفاءً لما قدّموه.
إلى متى نبقى لا نعرف قيمة عظمائنا، إلا بعد أن نفقدهم ولا نحتفي بالعظام إلا بعد موتهم؟ أما التكريم ما بعد الموت فإنه وفاءٌ متأخر.
د. رحيم هادي الشمخي