ثقافة

ممدوح.. الغائب الحاضر دائماً

في برنامجها “عطر الليل” أخرجت الإعلامية هيام حموي من صندوقها السحري حواراً مع الشاعر الراحل ممدوح عدوان أجرته معه في باريس أثناء مشاركته في مهرجان ربيع الشعر الذي أقامه معهد العالم العربي في فرنسا عام 2000 ودعا إليه العديد من الشعراء العرب، وقد انتقت هيام بعض الفقرات من الحوار مع الشاعر الراحل في إطار محاولة إستعادة  لتدوين أهم ماجاء في النص الإذاعي

>> إجمالاً في الجلسات الثقافية دائماً كانت تدور أحاديث حول المفاهيم الخاطئة حول للحداثة وأن هناك تسويقاً لحداثة مزيفة تسيء لسمعة الحداثة الحقيقية، مثل أن الشعر السيئ يشوه سمعة الشعر ككل، ومسائل أخرى تتعلق بالشعر والفنون الأدبية والهموم الثقافية.

> ما هي الثوابت والقناعات التي كانت عند ممدوح عدوان في مطلع شبابه ومراهقته، هو شاعر وسيستمر شاعراً، ما الذي بقي ثابتاً وما الذي تبدل؟.

>> وظيفة الشعر أنه ليس مادة تغيير مباشرة، أنا بدأت أكتب الهجاء للناس الذين كانوا يستغلون الدين في قرانا ويستغلون الفلاحين باسم الدين، فكنت أهجيهم، كنت أظن نفسي سأكون قائد إصلاح اجتماعي، مثل مارتن لوثر كينغ، وكنت مؤمناً بالشعر سلاحاً، ومازلت مؤمناً، ولكن ليس سلاحاً مباشراً، وأكثر شيء تغير هو هذه النظرة للشعر، فالشعر يشكل تراكماً تدريجياً بطيئاً يغير الإنسان على مدى طويل ولا يغيره مباشرة.

> وفيما إذا كانت لديه مآخذ على تدريس الشعر في المناهج أجاب:

>> طبعاً، تدريس الشعر يصل بنتيجته سواء بشكل مقصود أم غير مقصود إلى إعدام الشعر، وبالنسبة لي عندما أرى في منهاج أولادي كيف يدرسونهم القصيدة والأسئلة التي يسألونهم إياها، هي ذاتها منذ خمسين عاماً لم تتغير، ومازالوا يدرسون الشعر كما كان منذ 15 قرناً، هذا الشعر بلا جمالية، وبالتالي كان الله بعون الأولاد، فالفن عندما نناقشه مثلما نحل مسالة الرياضيات نكون مساهمين بقتله ونتعامل معه بغير طبيعته. وللأسف في مدارسنا يدرسون الشعر كما يدرسون التاريخ والرياضيات والعلوم وهذا قتل للفن، وتنفير منه، لأنهم يحفظونه بشكل ببغائي، بعيداً عن أي قيمة جمالية.

> أيضاً هناك أكثر من مدرسة شعرية، فمن الشعراء من يقول: أنا أكتب القصيدة ومنهم من يقول: القصيدة تكتبني وينسبونها إلى ما يعرف بشيطان الشعر، أنت من أي فئة؟.

>> ضاحكاً يجيب: “أنا من فئة الشياطين”، ويتابع: ما اصطلح على تسميته شيطان الشعر، الآن في النقد الحديث نقول عنه “التجربة” التجربة العميقة والانفعال بهذه التجربة والإحساس فيها بصدق وتمثلها، وهو الذي يثبت في الكتابة، وعندما تأتي الشرارة، يتفجر المخزون داخل الإنسان، مخزون جمالي، وتجارب سابقة وخبرات إنسانية تتدفق، من هنا عندما يكون الشخص منشغلاً بكتابة القصيدة، أو عندما يقول تكتبني، فهي فعلاً تأسره ويفكر فيها ويغرق في الموضوع دون أن ينتبه لما يحصل حوله، وهذه الحال ليس لأن الشعراء شاذون، بل لأن الإنسان عندما يرى موضوعاً ما ويهتم به الاهتمام الحقيقي يغفل عما حوله فعلاً، والقصيدة تأتي للإنسان على شكل لمعة، بلحظة ما، شيء ما يكون هو الشرارة، وعندما تأتي هذه الشرارة وندقق قليلاً في مراحل كتابة القصيدة تتولد رغبة باللاشعور في الهروب للقصيدة، وبعد فترة من الانشغال بالقصيدة  تستحوذ عليه، وتأسره وتمسك بتلابيبه، ولا تتركه حتى يكتب.

> وهل تصبح هناك ضرورة ملحة أن ينشرها ويقرأها الآخرون، أم أنها غير ضرورية؟.

>> أنا أشعر أنه بمرحلة من المراحل لايجب أن يرى أحد ماذا أكتب، لأنني لا أحب أن يفاجئني أحد وأنا أكتب، فالحالة هنا تشبه كثيراً أن يباغتني أحد وأنا عارٍ، أو بثيابي الداخلية، لكن بعد فترة من كتابة القصيدة أشعر بمتعة أنني كتبت شيئاً جميلاً، وأشعر بالمشاركة الجمالية، وأتمنى أن أقرأها لأشخاص قريبين مني وأقطف رد الفعل الأول، القصيدة بحاجة لهذا الامتحان ومن خلال الردود،  أشعر أنه جميل، وفي مقطع آخرأشعر أنه محايد تجاهه، فأكتشف انا اين نقاط التوهج في القصيدة وأعمل مونتاجاً بينها، لتبقى القصيدة متوهجة”.

> وكتابتك للتلفزيون حباً باللغة الفنية التي يمكن أن يقدمها كفن أم حباً بانتشاره؟.

>> الاثنان معاً، طبعاً انتشاره مهم جداً، هناك مسألة، أنني كنت كلما رأيت شيئاً أشعر أني أستطيع أن أقدم أفضل منه، وأقول لو أني اشتغلته كنت قدمته بطريقة مختلفة، وعندما أقرأ رواية أقول هذه لاتكتب هكذا، أو أنها مكتوبة بأحسن مما هو متوقع، الشيء الذي يشجع أكثر عندما نرى أعمالاً رديئة نقول من المعيب أن يكتب هكذا، كان يجب أن تكتب بشكل أفضل، وبسبب كثرة الأعمال التلفزيونية الرديئة لدينا، قلت لنفسي لماذا لا أكتب، إضافة إلى أن الكثير من الناس كانوا يترفعون عن الكتابة للتلفزيون، لكن أنا رأيتها حماقة أن أترفع على التلفزيون، لأن هذا الجهاز الموجود في كل بيت لماذا نتركه بأيدي الأشخاص التافهين والمسطحين والمرتزقة والمسرح التجاري والغناء المبتذل، لماذا لا يكون لنا موقع قدم في هذا المجال، لذلك الكتاب السوريون تحديداً الغالبية منهم تعاملوا مع النص الدرامي التلفزيوني بكثير من الجدية والحس بالمسؤولية، ونحن بين بعضنا عندما يقدم أحد من رفاقنا عملاً سيئاً نوبخه، ونقول له من المعيب أن تقدم هذا العمل، وهذا الأمر ينسحب علينا جميعاً، ولا يفسد ود صداقتنا، فهذه المكاشفات تجعلنا مطالبين بالجدية دائماً، ومن حيث أن التلفزيون يحقق انتشاراً فهذا أكيد، ويخدم، وطالما أن المادة منتشرة لماذا لاتقدم للناس شيئاً بسوية معينة بالمعنى الدرامي والفكري والفني والجمالي ومن كل النواحي.

> وهل هناك شيء كنت ترغب أو تتمنى أن تعمله، أو مجال تدخله، ولم تتح لك الفرصة؟.

>> مع أنني “مسبع الكارات” كما يقولون عني بحكم أني أشتغل على فنون أدبية متعددة من مسرح وترجمة وشعر ورواية وتلفزيون وصحافة، لكن للحقيقة كنت أتمنى أن أمثّل، ولكن للأسف هذه ظلت حسرة في قلبي من الطفولة، كما أتمنى لو أني عازف موسيقا.

المحررة