ثقافة

“تحــول” عــرض بصري راقــص يــوازي بيــن الشــكـل والمضـمــون

يتفق الجميع على أن الشكل الذي يُقدَّم فيه عرضُ “تحول” البصريّ الراقص على خشبة مسرح الحمراء ما هو إلا طريقة جديدة ومختلفة عن الأشكال المسرحية التي سبق وأن قُدِّمَت وتابعها الجمهور، ويبيّن مخرج العرض أدهم سفر أن هذا الشكل الجديد الذي يخوضه المسرح السوري من خلال “تحول” ما هو إلا وسيلة لإيصال فكرته، مشيراً إلى أن الطرق تتعدد وتختلف لإيصال الأفكار عبر المسرح، وما طريقته في “تحول” إلا إحدى هذه الطرق الجديدة والمختلفة.. من هنا يرفض القول بأن “تحول” هو مجرد عرض بصريّ يعتمد على الشكل فقط باعتبار أن الشكل الجديد الذي يقدمه يتوازى مع أهمية الفكرة والمضمون، منوها إلى أن الشكل الذي قُدِّم فيه “تحول” يعتمد على أساليب لا يعرفها الجمهور العادي وليست لديه فكرة عنها وهي بعيدة تماماً عنا لأنها لم تُطبَّق في سورية، والبعض تعرَّف عليها عبر الإنترنت فقط، ولكن لا أحد يعرف كيف تُصنَع.

اجتهاد وتجريب
ويؤكد سفر أن الشكل في هذه النوعية من العروض لا يبهر لوحده لأن الإبهار –برأيه- لا يتحقق إلا من خلال تكامل الشكل مع المضمون، معترفاً بوجود أشكال عديدة مبهرة في المسرح خالية من المضمون، ولذلك يبيّن سفر أنه وفريق عمله في “تحوّل” لا يستعرضون تقنياً ولا فنياً، وكل ما أرادوه إتباع طريقة جديدة غير معروفة لدينا، فكان عرض “تحول” الذي كان نتيجة اجتهاد وتجريب مارسه المشاركون في العرض لأن هذه الطريقة لا أحد يفصح عن كيفية صنعها.. من هنا شاركت في ولادة “تحول” عبر فنون الأداء البصرية المعاصرة مجموعةٌ من الراقصين والفنيين.
لم يكن طموح سفر في “تحول” أن يكون مخرجاً، وهو قاد العمل فيه لتنفيذ مشروعه وما يطمح إليه كمصمم إضاءة بالدرجة الأولى ليكون عنصر الإبهار -إن وجِد- لخدمة المؤدين، مشيراً إلى أن عنصر الإضاءة في العروض المسرحية مهمَل كثيراً من خلال النظرة التقليدية لمفهوم الإضاءة، والسبب برأيه يعود لأمرين، الأول يتعلق بثقافة المخرجين البعيدة عن الاستفادة من الاختصاصات، حيث أن أغلبهم هم من الذين يخططون لكل شيء في عروضهم دون إفساح المجال للاختصاصات الأخرى لتأخذ دورها، فالمخرج هو الذي يصمم إضاءة عمله ليأتي مصمم الإضاءة لينفِّذ ما يريده، بحيث تحول مصممو الإضاءة لمجموعة من المنفذين لرؤية المخرج، معترفاً أن كثيرين ينفذون اقتراحات غير مقتنعين بها، لذلك كان من الضروري –برأيه- كمصمم إضاءة أن يقدم فضاءه الخاص بطريقة جديدة، أما الأمر الثاني فله علاقة بفقرنا بالتقنيات الحديثة، حيث أننا ما زلنا على الصعيد التقني واقفين عند حد معين نتيجة الظروف الصعبة التي نعيشها في سورية، وإن كان هذا الأمر لا يجده سبباً رئيسياً، مؤكداً أن “تحول” خطوة أولى وستليها خطوات أخرى لاستكمال مشروعه على صعيد الإضاءة من خلال إصراره على تقديم عروض أداء بصرية، خاصة وأن الجمهور بات يؤمن بدور العناصر الأخرى في العرض المسرحي، مبيناً أنه كمصمم إضاءة يرفض إهمال العناصر الفنية الأخرى لأنها تكمل بعضها، لتنتج في النهاية عرضاً مسرحياً كاملاً.
ولا يخفي سفر أن كتابة نص “تحوّل” استهلك وقتاً طويلاً ولم يُستكمَل إلا على خشبة المسرح مع فريق العمل من خلال موضوع علاقة الذكر بالأنثى، كما لا ينكر أن هذا الموضوع تم طرحه سابقاً، ولكن في “تحول” يتم تقديمه بشكل جديد، موضحاً أن إيصال الفكرة عبر هذه الطريقة أمر ليس سهلاً ويتحمل الكثير من التأويلات، لذلك تم الاشتغال على الفكرة بالعموم وليس على التفاصيل، وهو يؤمن أنه في المسرح عموماً، وفي عروض المسرح الراقص بالتحديد لا يمكن الحديث عن ضرورة وجود أفكار محددة وواضحة إلا إذا كان العرض مغرقاً في المباشرة.. من هنا يجد سفر أن العروض البصرية والراقصة يخرج منها المتلقي بعدة تأويلات تتوافق مع ثقافته، مع تأكيده على أن الأفكار العامة لأي عرض لا بد وأن تصل للجميع.. ولأن عروض فنون الأداء البصريّ الراقص تحتاج لبذخٍ مادي كبير ولتقنيات حديثة على صعيد الإضاءة كان من الضروري لسفر وعبر جهود كبيرة بذلها مع فريق العمل الاعتماد على خبرات ومحاولات واجتهادات فريق العمل للوصول إلى النتائج المطلوبة.
ولأول مرة يعمل محمد شباط كـ “كوريغراف” وفق مبدأ الفرضيات بالرقص دون أن ينفي أنه سبق وأن جرَّب ذلك بشكل من الأشكال، إلا أنه تورط في الموضوع اليوم بشكل كامل من خلال تقديم عدة اقتراحات بعد سماع الموسيقا، مشيراً للدور الكبير الذي لعبه الراقصان مها الأطرش ونورس عثمان في الأخذ بأية فرضية والاشتغال عليها للخروج بأفضل النتائج التي تلخص وجهة نظر الجميع، خاصة في ظل عدم وجود مراجع ومصادر توضح تفاصيل إنجاز هكذا عروض، فكان المرجع الأساسي بالنسبة لشباط هو المخرج والدراماتورغ والراقصون، حيث تم الاعتماد عليهم للخروج بالشكل النهائي بعد أن قدم كل واحد منهم إضافاته لعرض يصفه شباط بالجريء.

أسئلة مختلفة
لم يكتب مهدي شباط كدراماتورغ نصَّ “تحول” بشكل فردي، ويؤكد أن الحديث عن النص يستلزم الحديث عن مثل هذه العروض الجديدة التي تندرج تحت مسمى فنون الأداء المعاصر وهو شكل جديد له تفرعات عديدة وكان من الضروري –برأيه- اكتشاف هذا النوع الذي يطرح فيه المخرج أسئلة مختلفة عن الأسئلة المعتادة، موضحاً أن هذا النوع من العروض لا يتكئ على تقديم سيناريو بالطريقة التقليدية وهو يعتمد تقنية مختلفة على صعيد الكتابة، منوهاً إلى أن فريق “تحول” كان قد سبقه في طرح الفكرة وشكل العرض، وهذا سهَّل عليه الكثير من الأمور أثناء الكتابة، مبيناً أن مساحة التخيّل في هذا النوع من العروض مختلفة عن مساحة التخيل في أي عمل مسرحي آخر، موضحا شباط أن النص بشكله العام تناول علاقة الذكر بالأنثى رغبةً بالذهاب نحو ما هو ذاتيّ وبداخل كلِّ واحد فينا وذلك عبر شكل بصريّ سيراه الجمهور دون أي فصل فيه بين الشكل والمضمون، ويرى أن المسرح حالياً يحتاج إلى التجديد وتقديم مثل هذه العروض في محاولة ليمارس حقَّ الوجود.
ويؤكد أن خوض تجربة جديدة مع زملاء له لا تخيفه أبداً، لأن الخطوة الأولى يجب أن يخطوها أحد ما، وكل فن كان وليد حاجته، والإنسان المعاصر له معاناته وطريقة تفكير معينة، ولذلك كان لا بد من التفكير بالطريقة التي يجب مخاطبته بها.

في حين يؤكد نورس عثمان كمساعد مصمم رقص وكمؤدٍّ إلى جانب مها الأطرش أن المجال كان مفتوحاً لتقديم أي اقتراح، حيث تلاشت الحدود بين فريق العمل، وهذا ساهم في تطوير العرض على جميع المستويات وكان همُّ الجميع إيجاد البدائل الأفضل لتجربة أولى على صعيد الأداء البصريّ الراقص، متمنياً عثمان أن تلقى الصدى المطلوب وأن تشكل نقلة في حياة المسرح السوري وأن تكون الحجر الذي يحرك المياه الراكدة .
يُذكَر أن عروض “تحول” مستمرة يومياً على خشبة مسرح الحمراء في السابعة مساء .

أمينة عباس