ثقافة

المرأة المخرجة

أمينة عباس

لم تغب المرأة السورية كفنانةٍ عن الفعالية المسرحية منذ مطالع القرن العشرين، وبالتحديد بعد خروج الاحتلال العثماني عام 1918، وكانت المرأة قبل ذلك مغيَّبة تماماً على الرغم من محاولة رائد المسرح السوري والعربي أحمد أبو خليل القباني تشجيعها وحضّها على المشاركة الفعالة في الحياة المسرحية، وذلك عندما ذهب إلى لبنان وجلب من هناك فنانتين مسرحيتين للعب أدوار النساء في مسرحياته، بعد يأسه من إقناع أحد بالسماح لبناته بالعمل كفنانات مسرحيات، أملاً منه في أن يشجع قدوم فنانتين لبنانيتين إلى المجتمع السوري، على الزج بالعنصر النسائي في الأعمال المسرحية، وهو الأمر الذي تحقق ولكن بعد انقضاء مرحلة القباني بعدة سنوات، خاصة بعد انخراط المرأة السورية في العديد من مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في سورية بعد العام 1920، وكان الجانب الفني، والمسرحي منه على وجه التحديد مكاناً مناسباً لظهور المرأة وإن على خفر واستحياء، وفي بعض المجتمعات الدمشقية وليس في كلها تبعاً لدرجة الثقافة والوعي، وقد كان ذلك ضمن سلسلة من الخطوات التي قادت المرأة إلى أن تكون فعالة في الحياة الثقافية عامة، وقد تجلى ذلك بشكل واضح في انخراط المرأة في العمل الإعلامي، فأشرفت النساء على بعض المطبوعات التي ظهرت في ذلك الحين.
وقد شهدت مرحلة الاستقلال انخراطاً أوسع للفنانة المسرحية السورية في التجمعات والنوادي والفرق المسرحية التي ظهرت ما بين العامين 1946 و1960 حيث اعتبر هذا العام الأخير عاماً مفصلياً في تعزيز دور المرأة في الحركة المسرحية السورية، وهو العام الذي تم فيه تأسيس المسرح القومي بدمشق والذي ضمّ فنانات مسرحيات من مختلف الفرق المسرحية الناشطة في ذلك الوقت، وقد شاركت المرأة في العروض الأولى لهذه الفرقة المسرحية التي تشرف عليها الدولة.
ومن الملاحظ في هذا الإطار أن دور الفنانة المسرحية كممثلة تطور بشكل لافت منذ ذلك الحين وخاصة بعد تخريج الدفعات الأولى من المعهد العالي للفنون المسرحية، لكن دورها كمخرجة تأخر كثيراً وكان محدوداً وما زال، إذ من النادر أن نرى تجربة مسرحية اليوم بتوقيع فنانة مسرحية، ولنا هنا أن نذكِّر بتجارب الفنانة الراحلة مها الصالح في هذا الإطار، فقد أرست الصالح قواعد لدور المرأة المخرجة في المسرح السوري، لتليها تجارب أخرى محدودة تنطلق في هذه الأيام واحدة منها بتوقيع الفنانة آنا عكاش، عسى أن تليها تجارب أخرى تؤسس بشكل فعال لدور المرأة المخرجة في المسرح السوري.