كفارنة وإبراهيم.. جدلية الغنائية الشعرية
رغم اختلاف الأساليب الشعرية التي ألقيت في الأمسية الشعرية التي شارك فيها المخرج المسرحي هشام كفارنة والشاعرة ليندا إبراهيم، وقدم الإضاءة النقدية لها الناقد أحمد علي هلال، إلا أن هناك تقاطعات ارتبطت بمحور الأحداث، وقد تميّزت بالجدلية الشعرية بين سورية وفلسطين بحضور الشاعر الكبير خالد أبو خالد، وجمهور نخبوي من الأدباء والشعراء والتشكيليين.
وقال المخرج المسرحي والشاعر هشام كفارنة أن الشعر الذي وصفه بطاقة من الجمال يكرّسها لما يقوم به من صناعات مسرحية، وأضاف بأن هذه الأمسيات تحسب لوزارة الثقافة والمركز الثقافي –أبو رمانة- إذ يتم استقطاب شعراء وأدباء من جميع المحافظات السورية وليس فقط من دمشق، وأشاد بالجمهور النوعي من التشكيليين والأدباء والشعراء والمسرحيين والمثقفين.
وترى الشاعرة ليندا إبراهيم بأن الشعر السوري هو الأقرب إلى الحياة وإلى الساحة الأدبية، فسورية قدمت الكثير من روّاد الشعر الذين جددوا في الحركة الشعرية بشكل عام، وتأتي مشاركتي ضمن مايسمى بأشعة الحياة، فالشعر هو نبض وضمير وصوت الشارع السوري -العربي، خاصة في هذه الأوقات العصيبة التي تمرّ بها سورية.
أصحاب الأبجدية
واستهلت السيدة رباب أحمد مديرة المركز الثقافي الأمسية بالحديث عن هذا المهرجان الشعري المصغر الذي ضم شعراء من قامات كبيرة، بأنه “في البدء كانت الكلمة” فالسوريون أصحاب أبجدية، فليس بغريب أن يتألق الشعر بعدة بصمات في المشهد الثقافي السوري، وتابعت بأن الهدف من المهرجان هو تمييز هذا النوع الثقافي، لاسيما أنه في سنوات الحرب كان هناك كمّ من الأسماء جسدوا الحرب الطاحنة بقصائدهم.
التناص الشعري
وقرأت ليندا إبراهيم مجموعة قصائد وجدانية توجهت من خلالها بالمباشرة الفنية للتعبير عن مأساة الواقع وتبعات الحرب كما في قصيدة”وصية شهيد”
“يا رفاقي
أزف الموت فحلّوا لي وثاقي
والثموا روحي وقمصان جروحي
وخذوني بيت أمي …حضن أمي”
ومضت الشاعرة بخطابها الشعري لتناجي الهمّ العربي في قصيدة القدس قضية العرب الأولى” أنا الفاتح اليعربي” لتقرأ فيها طرقات المدينة القديمة التي رسمت على جدرانها صورة البطل، لكن المميز بما قدمته الشاعرة إبراهيم هو اعتمادها على التناص الذي كثُر اتباعه من قبل الشعراء في العصر الحديث ببناء بيت شعر على بيت شعر قديم ، لكنها بنت التناص على آيات من القرآن الكريم لسورة “يوسف” استهلتها بالآية الكريمة” يا أبت إني رأيتُ أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين” كمدخل لقصيدتها” عودة يوسف” التي ترمز إلى العودة.
ولم يكن إبداع كفارنة الشعري أقلّ أهمية من إبداعه المسرحي، فهناك جسر واضح بينهما انسحب إلى مفردات قصائده وجمالية إلقائه المسرحي التعبيري بصوته الرخيم وهو يروي الشعر من ذاكرته الشعرية بعيداً عن الأوراق، فقرأ قصيدة مطوّلة عن الشام بدت أشبه بمسرحية شعرية متتابعة الفصول “ينزاح الظلام، فسبحان الذي أعطاك وجهاً برغم الحزن حراً لاينام، في الشام فسبحان الذي أعطاك وجهاً برغم الحزن حراً لايضام” واتسمت بجمالية التكرار كأحد الأساليب الشعرية مع تغيير جزء من التركيب الشعري بتغيير مفردة تضيف معنى جديداً، واتصفت قصائده باستخدامه المفردات القديمة منها”المُدام”،وتركيزه على القواعد النحوية لتكون عنصراً أساسياً من مكونات القصيدة مثل استخدامه فعل الأمر”صل صل” واعتماده في مقاطع كبيرة من القصيدة على “نون التوكيد”يا حلو قد قلتها من قبل لاتستعجلنّ”، كما تضمنت روح التراث الشعبي بترديد مفردة الميجنا، لينطلق إلى المخيم وما حدث فيه ليخلص إلى قفلة القصيدة التي قرأ جملها الصغيرة بسرعة كبيرة تشبه المتتالية الموسيقية، ليصل من خلالها إلى فلسطين توءَمة سورية في قصيدة”أمي تحبّ البرتقال” ليتقاطع مع روح غسان كنفاني في قصة “البرتقال الحزين” والمميز أيضاً في مشاركة كفارنة قصيدته “رسول الغرام” التي أوضح فيها بأنه رسول غرام من حوران إلى الشام.
الوجدان الجمعي
وبيّن الناقد هلال أن الجماليات الموجودة بالقصائد التي أُلقيت تحتاج إلى قراءة فاحصة متأنية، لأنها جاءت تشكيلاً بالرؤية وتطريزاً لخاصرة الشعر، ليتابع عن دور النقد الذي يدخل تخوم الشعر، ويحاول التقاط شاراته الدالة، ويمر مابين سطوره، فالنقد والشعر جناحا إبداع ولا تنفصل العلاقة بينهما، وتبقى الذائقة ويبقى هذا المزاج الذي يأخذ المتلقي إلى أبعاد مختلفة، ليتوقف عند الشاعرة ليندا إبراهيم التي ذكرته بأن الشعر ليس ترنيماً وضبطاً للكلام، إنما هو هذه الأيقونات التي تأخذنا إلى الجمال، فما قالته يأخذنا إلى المتداول أو المعروف أو المباشر قليلاً، لكنها لم تأخذنا إليه مجاناً لتوصلنا إلى صوغ أحلامنا وأفكارنا وأيامنا إلى الأم إلى الوطن إلى الذات إلى الآخر إلى هذا الوجدان الجمعي، ليتوقف عند ذكر مفردة “سبع عجاف” التي جاءت ليست على سبيل التوصيف وإنما على سبيل وضع النص في المتخيّل الشعري لتستدرج اللحظة وتحملها رؤيتها، إضافة إلى اللغة النصية بامتياز لغة تحمل خطاباً شعرياً قارب الحدث السوري إلى حدّ ما وحاول أن يطيّفه، وذهب به إلى الرؤية، وحامل هذه الشعرية هو الروح الغنائية التي تؤطر وجداناً سورياً غنياً.
الصوغ الاستعاري
وربط الناقد هلال قصائد المخرج هشام كفارنة بسمة الدراما إذ تميّزت بمكونات الدراما على نحو كبير سواء على صعيد دراما الحدث أو دراما اللغة أو على الصعيدين معاً، وتحدث عن الصنيع الشعري الذي أخذنا ليس إلى ذهنية القصيدة وإنما إلى اعتمار شعرية الحياة، شعرية الحداثة نجدها في هذه القصائد التي استولت عليه وجدانياً قبل أن تستولي عليه فكرياً كما ذكر، وأضاف بأنه في حواس هذه القصيدة الكثير من العلامات الفارقة لجهة هذا التشكيل الذي أخذ من المسرح الكثير، فكان الشعر تشكيلاً بالرؤية وبالحواس قاد إلى غزارة بتدفق الصور وبكثافة المفردات الشعرية، وهذا التوصيف الدلالي للتوليف ما يجعل بالقصيدة صوغاً استعارياً بامتياز، وهذا الاستعاري المعادل للجمال الخفي وهو ما يذهب إليه الشعر. إضافة إلى جماليات الاختراق وليس عند حدود التوقفعن المغامرة.
ملده شويكاني