ثقافة

بين هذا وذاك ثمة حياة

لمعت الفكرة في رأسي وأنا في طريق عودتي من المسرح حيث الشوارع مكتظة بالعديد من الناس من كل لون وجنس.. ومن المفترض أننا بشر وتجمعنا علاقات إنسانية ما.. وأضعف الإيمان أن نتبادل السلام ولو بالنظرات والابتسامات التي هي مفاتيح قلوب تلك الحيوات الإنسانية، فنبدأ بلا أي حواجز بالكلام..
كانت رغبتي ملحة أن أوسع تلك المساحة الآمنة التي بدأت بالتقلص، فبدأت أنسحب من مدينتي وأهلها، ولم اعد أطيق السفر، ولم اعد أرتاح إلا في منطقتي.. ثم بيتي.. ثم غرفتي وطاولتي.. ثم انسحبت كالمطارد إلى داخلي فوق رقعة تضيق علّي شبراً كل يوم.. فكان ملجأي الوحيد تلك النافذة الزرقاء التي تطل على الحديقة الخلفية لروحي.. أخرج منها فأجدني مركونة لوحدي ضمن هذا العالم الذي يغص بالأشخاص، فقررت جدياً محاولة إقامة علاقات صداقة وتعارف مع أناس خارج الفيسبوك أي في الواقع الحقيقي، وبذات الأسلوب والطريقة المتبعة في ذلك العالم الافتراضي الغريب العجيب.. وفعلا حملت فكرتي ونزلت بها إلى الشارع وبدأت بإيقاف المارّة بابتسامة وسلام حقيقيين، وبدأت أخبرهم ماذا فعلت هذا الصباح، وماذا أكلت وكيف كان مزاجي وأنا ذاهبة للعمل.. وأخبرتهم أيضا بأنه ليس لدي حبيب وشرحت لهم المنغصات والمفاجآت في مجال المسرح، وأخبرتهم بماذا أشعر في هذه اللحظة،  وماذا فعلت في الليلة الماضية وما أنوي القيام به وبصحبة من، وبدأت بإعطائهم صوراً لعائلتي وحديقة منزلي وورد تشرين وقصصه مع الحب والمحبوب، وكيف أعتني بها وأقتلع العشب الضار من حولها، وأعطيتهم صوراً لأشخاص كانوا هم سبب بقائي على قيد الحياة فأخذوا الحياة ورحلوا.. صور لعدد من الشهداء الذين ارتقوا بفعل الحرب اللئيمة هذا الصباح.. وووو.. كثير من الصور التي توثق نشاطي اليومي من وإلى وأين ومتى..
بدأت الوقوف إلى جانب بعض المارة الذين يتحدثون مع بعضهم بلا أي حرج كما أفعل عندما يقودني فضولي في الافتراضي لمتابعة بعض التعليقات على منشور ما، والحوار الذي يدور بين الناشر والمعلق والى أي نتيجة وصلا.. وبدأت أستمع إلى حديثهم مع بعضهم وأبدي إعجابي به، وقد أعلق وأشاركهم الحديث وأخبرهم أيضا أنني معجبة بهم جداً، أو أن حديثهم سخيف ولا قيمة له..
لقد فعلت هذا على مدار ثلاثة أيام فقط، لأن دهشتي بردود فعل الناس كانت كبيرة جداً واكتشفت بهذه التجربة الشخصية والغبية ربما بنظر الآخرين، أنها طريقة وأسلوب قد تصلح للعالم الواقعي ولكن ستكون تكلفتها باهظة الأسف والندم على ما نحن عليه من كذب في العلاقات الإنسانية عندما نضعها على محك الواقع.. وكم نحن بارعون بتجارة الكلام الذي لا يدفع ثمنه (الحكي ببلاش كتر منه ولا تخاف)..! وبعد كل ما بذلته من جهد من أجل أن أحصل على أصدقاء حقيقيين من دم ولحم أتقاسم معهم صباحاتي.. سعادتي.. شقائي.. همومي وأفكاري.. تتبادل الأيادي والعيون السلام بشغف اللقاء..
لا أخفيكم سراً لقد حصلت حتى الآن على ثلاثة أشخاص في هذا العالم الواقعي يتابعوني بشغف كبير وهم رجلان من الشرطة وطبيب نفسي، ووعدوني أن يتابعوني في عالمي الافتراضي أيضاً.. وللأسف لا أستطيع حظر هؤلاء لا هنا ولا هناك..!!
لينا أحمد نبيعة