من نبض الحياة النقابية والإنتاجية نقص حاد في اليد العاملة الشابة.. ومطالب ومقترحات عمالية مجيرة لأعوام متتالية!
يعيش غالبية السوريين على الأمل، ويتشاطرون الهموم والأعباء، ويحتجزون أمانيهم في قفص الواقع المعيشي الصعب الذي يختزلونه بعبارة: “لقمة العيش”، وطبعاً عندما نقول الأغلبية فنحن هنا نحاكي واقع حياة حوالي 90% من المواطنين المصنفين في خانة الدخل المحدود، وفي مقدمتهم أبناء الطبقة العاملة، والفلاحون الذين صنعوا وزرعوا مقومات الصمود خلال سنوات الحرب، وكانوا بسواعدهم أشبه بقوارب النجاة التي أبحرت بالاقتصاد إلى ضفة الأمان.
وفي المقابل كانت هناك جهود كبيرة لتأمين كافة متطلبات استمرارهم بالعمل والإنتاج، وتحقيق كافة مطالبهم، إلا أنها لم تكن بالمستوى المطلوب، وكانت تطعن دائماً بقرار التجيير من عام إلى آخر، وتخترق بقرارات الغياب عن ساحة التنفيذ.
وكباقي شرائح المجتمع السوري ترزح الأسرة العمالية تحت ضغط أعباء المعيشة بشكل لم يسبق له مثيل، بحيث بات من الضروري العمل على معالجة الكثير من القضايا التي يراها العمال بتداعياتها على حياتهم، وتقاعس الجهات المعنية في تحقيق بعضها كوضع العصي في دواليب الإنتاج، خاصة أن هناك ضرورة ملحة اليوم لإيجاد حلول لتحسين الوضع المعيشي، “زيادة الأجور والرواتب”، فماذا لدى العمال من مقترحات وأفكار ومطالب؟.
تنفيذ الأحكام
بشير حلبوني، أمين الشؤون القانونية والاقتصادية في الاتحاد العام، أكد لنا حرص القيادة النقابية على تحقيق أكبر عدد ممكن من المطالب بالتعاون والتنسيق مع السلطة التنفيذية، مشيراً إلى أهم القضايا العمالية، ومنها تنفيذ الأحكام القضائية المتضمنة عودة العاملين إلى عملهم، خاصة أن بعض الوزارات تمتنع عن تنفيذها، واعتبر حلبوني أن زيادة الرواتب والأجور ليست مطلباً ملحاً من أجل تحسين مستوى العامل فحسب، بل هي أيضاً مطلب أساسي من أجل إصلاح القطاع العام، ومحاربة الفساد، واستقرار الخبرات العمالية في القطاع العام، وهو ضرورة وقيمة يجب أن تكون في أية عملية إصلاح، وتساءل عن الغاية من نقل الشركة الخماسية إلى عدرا الصناعية؟ وما هي الكلفة المالية المترتبة من أجل ذلك؟ وما هو مصير العمال والخبرات العمالية في المعمل؟.
إحداث هيئة
برهان عبد الوهاب، عضو مكتب تنفيذي في الاتحاد العام، اقترح إحداث هيئة عامة للضمان الاجتماعي تحل محل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وذلك بهدف منح الهيئة صلاحيات أوسع ومرونة أكبر في اتخاذ القرارات حتى تكون الهيئة قادرة على تنفيذ المهام الموكلة إليها في تطوير عملها، وإداراتها، وتوسيع المظلة التأمينية، وإضافة صناديق تأمينية جديدة لتكون أقدر على استثمار فائض أموالها بشكل أفضل.
وطالب عبد الوهاب بإصدار موافقة ولو لمرة واحدة على عدم الأخذ بالتأخير الحاصل بتسديد العامل لما يترتب عليه، وذلك لكافة المكتتبين المسددين التزاماتهم المالية لغاية 31-12-2017 طالما أنهم سددوا ما ترتب عليهم مع الغرامات، والاحتفاظ بأرقام تسلسل أفضليتهم وفق الجداول النهائية المعدة من قبل الاتحاد العام لنقابات العمال، والموجهة للمؤسسة العامة للإسكان منذ بداية الاكتتاب ولتاريخه دون أي تعديل، وذلك منعاً للغبن، وتحقيقاً للعدالة.
تشكيل اللجان
حيدر حسن، عضو مكتب تنفيذي في الاتحاد العام، أراد الحديث عن تسوية أوضاع العمال المؤقتين، ولذلك، وحسب ما قاله لنا، فإنه في كل مرة يتم تشكيل اللجان، وتجري الدراسات والإحصائيات والبيانات بأن الحل والمعالجة قريبان، وحتى تاريخه لم تر تلك المقترحات النور، كذلك طرح موضوع العاملين بعقود سنوية الذين تمت دعوتهم لتأدية الخدمة الإلزامية قبل عام 2010، وبعد إنهاء خدمتهم أعيدوا إلى عملهم، وحرموا من كافة المزايا التي تضمنها قانون خدمة العلم الجديد رقم 33 الذي أعطى للعمال المؤقتين الذين يلتحقون بالخدمة العسكرية كافة المزايا التي يتمتع بها القائم على رأس عمله، لذا يجب توجيه الجهات العامة بمعاملة هؤلاء العاملين كما لو كانوا قائمين على رأس عملهم، ومنحهم ترفيعات عن السنوات التي خدموا بها خلال الأزمة، وأشار إلى ضرورة تعديل المرسوم 346 لعام 2006 بحيث يتم لحظ المهن الشاقة والخطيرة التي لم يتم إدراجها سابقاً، شريطة أن تتم زيادة نسبة الاشتراك عن هذه الشريحة، إذ إن مؤسسة التأمينات تضيف إلى كل سنة خدمة نصف سنة، وبالتالي يجب الاشتراك عن هذه المدة الممنوحة، لأن زيادة شرائح أخرى على المرسوم 346 عن الواقع الحالي تؤدي إلى إرهاق المؤسسة مالياً، وبالتالي إعادة النظر بنسبة الاشتراكات المالية، والعمل على رفعها.
دور حيوي
إنعام المصري، أمين الشؤون التنظيمية في الاتحاد العام لنقابات العمال، أكدت على الدور الحيوي والاستراتيجي للقطاع العام، وأن الحكومة رب عمل هذا القطاع الرائد للاقتصاد الوطني، وعليها أن تعالج التحديات والصعوبات التي يواجهها، مشيرة إلى أهمية خلق بيئة تشريعية تتناسب مع واقع عمل جديد وافد مع إعادة الإعمار، لذلك لابد من الإسراع بتعديل القوانين، وأن دعم مؤسسة التأمينات الاجتماعية يعتبر قراراً وطنياً لما تقدمه من عوامل الأمان والاستقرار الاجتماعي.
جبهات العمل
خلف حنوش، رئيس الاتحاد المهني لنقابات البناء والأخشاب، أفرغ أمامنا سلة مطالب عمالية، في مقدمتها فصل الدمج لفرع حماة عن حمص بالشركة العامة للبناء والتعمير، وذلك لوجود جبهات عمل تقدر بعشرة مليارات بفرع حماة، وجميع الكوادر الإدارية والفنية مازالت تمارس عملها على أكمل وجه بحماة، وكذلك بحمص، وتساءل: لماذا الاستمرار بهذا الدمج؟ ونطالب بتشميل عمال القطاع الإنشائي بالطبابة الكاملة، خاصة في الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، وتنفيذ وعد وزير الصناعة بخصوص الوجبة الغذائية، والترفيعة الاستثنائية للعاملين بقطاع الاسمنت خلال جولته الأخيرة لاسمنت طرطوس.
المعالجة الفورية
خرجنا من مكتب الحنوش، وتوجهنا إلى مكتب نبيل العاقل رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال الخدمات العامة الذي كانت لديه قائمة طويلة من المطالب التي بدأ بسردها كالمعالجة الفورية للوضع المعيشي الصعب، وتحسينه، وزيادة التعويض العائلي (للزوجة والأولاد)، ورفع الحد الأدنى للأجور كي تتناسب مع ارتفاع الأسعار الفاحش.
وطالب بتخفيض أسعار الأدوية، وتوفيرها في الأسواق، وخاصة أدوية الأمراض المزمنة، وتفعيل دور الرقابة على تصنيع الأدوية، لأن العمال يشكون من عدم فعالية الدواء، وإصلاح الأجهزة المعطلة، وضبط ومراقبة الأسعار في المشافي الخاصة، ومعالجة نقص الكادر الطبي في المشافي العامة، واستثناء السائقين والمعوقين من شرط الشهادة الإعدادية في التعيين.
ولفت العاقل إلى أن هناك بعض القضايا البسيطة التي لا تحتاج معالجتها إلى الاجتماعات: (التعويضات- الحوافز الإنتاجية- طبيعة العمل- نقل العاملين- المعاملات المحصورة في المركز، مثال: الأضابير التأمينية التي وعدنا عشرات المرات من قبل السادة الوزراء والمديرين العامين بإنجازها كونها تخفف العبء والوقت والجهد على العامل من القدوم إلى دمشق.
جهود جبارة
غسان السوطري، رئيس الاتحاد المهني لعمال النفط والمواد الكيماوية، طالب رئاسة مجلس الوزراء، واللجنة الاقتصادية، بتسعير حوامل الطاقة، حيث تم تسعير وحدة BTU من الغاز لشركة أسمدة بـ 6 دولارات، علماً أن سعرها عالمياً لا يتجاوز 4 دولارات، وفي حال تم تخفيض السعر سيؤدي إلى انخفاض تكاليف إنتاج الطن الواحد من السماد بحدود 60000 ليرة، بما يحقق ربحية للشركة، وتخفيف الأعباء على الفلاح، وتساءل عن سبب إلغاء مشروع السيرومات على الرغم من أهمية هذا المشروع بعد إتمام التعاقد، كذلك تغيير الإدارات بشكل مزاجي مثل معمل أحذية مصياف، رغم أنها حرفة وتحتاج لإدارات لها خبرة في هذه الصناعة، وليس على مزاجية أصحاب النفوذ في المحافظات!.
دون نتائج
ياسين صهيون، رئيس الاتحاد المهني للصناعات الغذائية والتنمية الزراعية والتبغ والسياحة، لم يتوان عن الحديث عن مرسوم الاستملاك الصادر لصالح وزارة السياحة للعقارات والأراضي الزراعية للمواطنين على الشريط الساحلي السوري من البدروسية أقصى الشمال الغربي إلى أقصى الجنوب الغربي /عرب الملك/ على الحدود اللبنانية السورية، ومنذ عام 1974-1975 حددت قيمة الدونم البعلي بـ /60/ ألف ليرة سورية، و/120/ ألف ليرة للدونم المروي، وهناك المئات من الاعتراضات على هذه القيم المالية، وتم رفض استلام المبالغ، ومنذ ذلك الحين لا خطة واضحة للاستثمار من قبل وزارة السياحة، كما صدرت عدة مذكرات عن مجلس محافظة اللاذقية بهذا الخصوص دون نتائج.
ولفت صهيون إلى الحسميات على موردي الأقماح 8% من قوائم الشراء لصالح اتحاد الفلاحين، و2% من قوائم الشراء لصالح إكثار البذار، و200 ليرة إدارة محلية، ولذلك لابد من إنصاف عمال الحبوب، وإضافة نسبة 3-5% لصالحهم أسوة بباقي الوزارات كوزارة العدل، مثلاً، تضاف قيمة لصاقة لصالح العاملين بالقصر العدلي توزع على المحامين والقضاة.
مطالب محقة
حاتم الجغصي، رئيس اتحاد عمال دمشق، لخص وقائع الجولات الميدانية النقابية، وآخرها الجولة مع قيادة الاتحاد العام على مواقع العمل، حيث كانت هناك العديد من المطالب والتساؤلات المحقة التي تم طرحها حول الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة في ظل غلاء فاحش، وغياب شبه تام للرقابة على الأسواق، إضافة إلى دعم القطاع العام الذي لعب دوراً مهماً في ظل الحرب الجائرة، وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاته، بما يضمن تسريع وتيرة العمل والإنتاج، وتساءل الجغصي: متى ستبصر تعديلات قانون العاملين الأساسي وقانون العمل 17 النور؟ وهل يعقل أن يكون هناك عمال يعملون بعقود مختلفة التسميات منذ عدة سنوات، وحتى الآن لم تتم تسوية أوضاعهم، علماً أنهم لا يحمّلون الخزينة العامة أية تكلفة؟ وهل ستبقى قيمة الوجبة الغذائية، وقيمة الحوافز، والتعويضات، والعمل الإضافي، متدنية بهذا الشكل؟.
وطرح لحظ حصة العمال من أرباح الشركات التي تتناسب مع جهودهم المبذولة، ولفت إلى أن جهوداً كبيرة بذلت من قبل العمال لإعادة تأهيل المنشآت التي يتم تخريبها من قبل المجموعات الإرهابية، ما وفر على الخزينة مئات الملايين، في حين أن المكافآت التي صرفت لهم مقابل أتعابهم لا تتجاوز عدة آلاف، مشيراً إلى نقص شديد باليد العاملة الشابة والمدربة في معظم الشركات، وبالتالي يجب أن تكون هناك مسابقات لسد النقص، بالتوازي مع تعديل أجور بدء التعيين.
بشير فرزان