تحقيقاتصحيفة البعث

دولاب الحياة

 

لا يضر، ونحن في خضم هذا الإعصار المعيشي، أن نخرج بعض القضايا التي تتصف بالديمومة في حياة المواطن السوري من تحت عباءة الأزمة، فعلى سبيل المثال كبرنا لنعاصر مرحلة النقل الداخلي التي رسّخت في ذاكرتنا الكثير من الذكريات والمغامرات، خاصة أنها ترافقت مع فترة دراستنا الثانوية، حيث كان صباحنا الشتوي يبدأ ضمن الحمولة الزائدة لهذه الباصات، والمعلّقة على أبوابها كسلاسل بشرية محكمة الالتصاق، والتشابك بالأيدي، أما الأرجل فكانت تسبح في الهواء باحثة عن ضفة الأمان التي تتكون من الأرجل الأخرى الباحثة عن الضفة ذاتها، بعد ذلك عشنا مرحلة استنفار وزارة النقل والجهات الأخرى لمعالجة واقع النقل، فكانت صفقة الميكروباصات التي حملت التلوث البيئي، وعقدت مشكلات النقل، وأدخلتها مرحلة الموت السريري، فبقي الازدحام والمعاناة، وتعوّدنا معها على وضعية القرفصاء بعد سباقات ماراثونية خلف هذه الميكروباصات بموسيقاها الصاخبة، وسائقيها من “القبضايات”، أما لحظة اللقاء مع باب السرفيس فهي الأصعب والأكثر قسوة، فأنت بحاجة إلى عضلات قوية تساعدك على القفز إلى داخله، وحجز أي مكان في هذا الصندوق الحديدي الذي كان بمثابة مطمورة بشرية ومالية!.
واستمر سيناريو الصفقات، وهو المصطلح الصحيح والمناسب لكافة الحلول التي تمت حتى الآن في قطاع النقل، حيث تم تمرير صفقة الاستثمار الخاص بحلوله السحرية، فامتلأت الشوارع بالباصات ذات المواصفات المتدنية، وبدلاً من حل الأزمة تم الجمع بين مسبباتها لتخلق واقعاً مستحيل الحل، وحتى المعالجات التي تلت ذلك لم تكن في محلها، بل زادت من تعقيدها وخلقت ازدحاماً كبيراً، ومنافسة متصاعدة على جيوب المواطن!.
واليوم بعد كل هذا التاريخ الموثق والمكتنز بالأخطاء نجد أنفسنا في متاهة حقيقية، خاصة حالة اليأس التي سيطرت علينا مع تلاشي العلاجات النهائية القادرة على تحقيق أمنيات المواطن باستخدام وسائل نقل مريحة وحضارية تضمن أقل متطلبات وحقوق المواطن الضائعة بين كلمات التصريحات المستنسخة لوزارة النقل، والصفقات المشبوهة التي دفع المواطن ضريبتها من كافة النواحي، وباستثناء السنوات الأولى من فترة الأزمة التي أخرجها المواطن من هذا السجل الأسود، رغم كثرة المخالفات التي تتم في كنفها، فإن مشكلات قطاع النقل في سورية كانت ومازالت تدك بقوة حصون حياة المواطن، وتنغصها على مدار الساعة، أما عن الفائدة من طرح هذه القضية في هذه الظروف الاستثنائية التي كبدت هذا القطاع خسائر كبيرة، وفرضت خصوصية في التعاطي، فتأتي في إطار التذكير الذي قد ينفع الأقلام الخضراء، فهل ستستطيع الوزارة ضمان استمرار دولاب الحياة، ووقف مسلسل الانتكاسات المفجعة بحق المواطن في قطاع النقل، أم أنها اعتادت على زج كافة الملفات وراء قضبان الأزمة، مانحة بذلك مديرياتها وشركاتها هامشاً أوسع للمزيد من التصريحات والوعود النافقة في يوميات الناس؟!.

بشير فرزان