الصفقة الأمريكية- التركية مع السعودية..!
ترجمة: هيفاء علي
عن لوغراند سوار 18/10/2018
يبدو أن المساعي التي بذلها الرئيسان التركي والأميركي تمحورت حول إيجاد مخرج في التحقيق لتحميل مسؤولية قتل جمال خاشقجي لـ”كبش فداء” وإعفاء محمد بن سلمان والحكم السعودي من الحادثة مقابل أثمان باهظة، لكن هذه الصفقة التي يوظّفها كلّ من ترامب وأردوغان لغايات في نفس يعقوب، لا تمحو ارتدادات زلزال القنصلية التي تقضي على طموحات ابن سلمان في وراثة العرش وفي الاستمرار بحروبه ومغامراته، وربما تدفعه إلى محاولة التعويض عن فشله بالمراهنة على ارتداء ثوب “رجل السلام” مع “إسرائيل”!.
التنسيق بين الاستخبارات التركية والأميركية بدا جليّاً ومتيناً، منذ اللحظة الأولى لحادثة القنصلية السعودية في اسطنبول، بعد أن اكتفت الاستخبارات الأميركية بالمعلومات والتقارير التركية بناءً على طلب ترامب، ربما، ولم تحرّك أجهزتها الخاصة على غير العادة على الرغم من رصد محادثات بين مسؤولين سعوديين لاختطاف جمال خاشقجي.
الاستخبارات التركية التي زرعت أجهزة تجسس في القنصلية، سعت إلى نشر ما يحتاجه الضغط على السعودية بشكل متدرّج لجرّها إلى التفاوض على صفقة، فحين نفى محمد بن سلمان في مقابلته مع بلومبرغ اختفاء خاشقجي في القنصلية، أذاعت الاستخبارات التركية بعض التفاصيل عن مقتله، وأكّدت امتلاكها تسجيلاً بذريعة ساعة “آبل”، وهو ما نقلته إلى ترامب وواشنطن بوست.
ويبدو أن الرئيس التركي ينتهز فرصة لا تعوّض للعودة إلى التفاهم مع الإدارة الأميركية عبر التعاون بين الاستخبارات الثنائية، وهو ما أسفر عن تسوية القسّ الأميركي وارتفاع الليرة التركية، لكن الدور التركي الأهم الذي يحتاجه ترامب في إبقاء حادثة القنصلية تحت السيطرة، هو ما يتضمنه التحقيق التركي بإخراج جنائي يعفي محمد بن سلمان والحكم السعودي من المسؤولية. فالتحقيق التركي في صياغته الأخيرة هو ما سيعتمد عليه ترامب في استمرار علاقته بالحكم السعودي، وهو ما ستستخدمه الدول الغربية في استمرار بيع الأسلحة، حتى إذا شكّك به الكثيرون في الكونغرس وباقي العالم.
كما يحرص أردوغان على تعزيز علاقاته التجارية والاقتصادية مع السعودية، بما يتجاوز الاستثمارات الحالية في تركيا البالغة 6 مليارات دولار، ويحرص أيضاً على عدم إفادة إيران من تقهقر السعودية أو اضطرارها إلى المصالحة مع إيران، كما أشار تركي الدخيل، لكنه يحرص في المقام الأول على اصطياد الفرص لتعزيز التعاون في المشكلات الإقليمية مع الولايات المتحدة، والدلالة في الأوقات الصعبة على انتماء تركيا إلى الحلف الأطلسي تحت الراية الأميركية.
الضغط الكبير الذي مارسه أردوغان على السعودية، أسفر عن تجاوب الملك السعودي بإرسال مستشاره خالد الفيصل للتفاهم على صيغة الإخراج، التي آلت إلى تحميل القنصل محمد العتيبي المسؤولية بالاشتراك مع مجموعة “خارجة عن القانون” أو مجموعة مارقة كما سمّاها ترامب. وقد أشار وزير الداخلية السعودي إلى هذا المخرج في التأكيد على أن القيادة السعودية لم تصدر الأوامر ولم تكن على علم بالواقعة!.
وفي هذا الصدد يعمل “فريق العمل المشترك” على إعداد نتائج التحقيق في القنصلية وفي مقر إقامة القنصل، بموازاة تشكيل هيئة سعودية خاصة لمحاكمة الجناة بحسب الاتفاق مع ترامب. وقد يكون من بينها القنصل العتيبي الذي غادر إلى السعودية بتدبير من أردوغان الذي يرفض أي إعاقة لحركة الدبلوماسيين السعوديين لهذه الغاية. وفي هذا السياق يعمل أيضاً مايك بومبيو بين السعودية وتركيا، بتكليف من ترامب الذي يلخّص نتائج التحقيق باتهام “مجموعة مارقة”.
ما ترسو عليه صيغة الاتهام الرسمية، تخدم طموحات ترامب في تسعير ابتزازه للسعودية لحماية الحكم مقابل وضع اليد على النفط وشركة آرامكو وعلى الصناديق السيادية لتحويل السعودية إلى دولة مديونة للبنك الدولي، لكن صيغة الاتهام الرسمية لا تعيد محمد بن سلمان إلى ما كان عليه قبل واقعة القنصلية في طموحه للوراثة وفي أحلام السيطرة على اليمن “بدعم من المجتمع الدولي لمحاربة إيران”. فهذه العباءة هي نسيج شركات علاقات عامة ولوبيات من الإعلام الغربي والمستشارين الذين روّجوا لما وصفوه بأنه “رجل الإصلاح والتحديث”. في هذا السياق، أشارت صحيفة لو فيغارو الفرنسية إلى أن العائلة الحاكمة السعودية تفكر جدياً في استبدال ولي العهد محمد بن سلمان كخليفة لوالده الملك سلمان، في سياق خضوع المملكة لضغوط دولية كبيرة في التاريخ المعاصر على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي يعتقد الكثيرون أنه قُتل بأمر من بن سلمان نفسه. يشير المصدر الدبلوماسي الذي لم يكشف عن اسمه إلى أن هيئة البيعة، المسؤولة عن الموافقة على ترتيب الخلافة للعرش، تجتمع حالياً بأقصى درجات الأهمية والسرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن العائلة الحاكمة تسعى إلى الاستعاضة عن محمد بن سلمان ( 33 عاماً) بأخيه الأقل طموحاً والبعيد عن الأضواء، الأمير خالد بن سلمان البالغ من العمر (28 عاماً)، الذي يشغل منصب سفير في الولايات المتحدة، وقد تمّ استدعاؤه إلى السعودية مؤخراً لهذا الغرض. وأشار مصدر سعودي إلى أن الانتقال لن يكون فورياً وإنما سيتمّ بشكل تدريجي، ليكون هذا هو ثمن الصفقة الباهظ الذي سيدفعه المغامر والمقامر محمد بن سلمان.