دراساتصحيفة البعث

الجمهوريون والمسّ السعودي

ترجمة: علاء العطار
عن “ذا ويك” 18/10/2018

ربما يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أخطأ التقدير في قضية جمال خاشقجي، صحفي واشنطن بوست المفقود (الذي يُعتقد أنه ذُبح)، وتتوالى التفاصيل الجديدة في الظهور، وآخرها تسجيل مزعوم لـ خاشقجي وهو يتعرّض للضرب والتعذيب قبل أن يُقطع رأسه، وانقلب العديد من المدافعين السابقين عن النظام على بن سلمان، الذي تزداد حوله الشبهات يوماً بعد يوم بأنه أعطى أمر الاغتيال.
لطالما كانت لنُخب كلا الحزبين علاقات وثيقة مع النظام السعودي، تعود إلى عقود من الزمن، ولكن في حين أن كلّ ديمقراطي ذي شأن قد أعرب على الأقل عن قلقه حيال قصة خاشقجي، إلا أن العديد من الجمهوريين قد ضاعفوا بالفعل من دعمهم، وهذا يقدم دليلاً جيداً على مدى عمق الفساد الأخلاقي في الحزب الجمهوري في ظل رئاسة ترامب، ومدى ما تمليه قوى الضغط الخارجي على سياسة “التفكير” الخارجية للجمهوريين.
جادل الجمهوريون بأن قضية السعودية كانت لمجرد الاستسلام التام للمظلمة الثقافية وتقديم الأعذار لقتل خاشقجي، وتُشير مجلة “ذا فيدراليست” الإلكترونية، التي أصبحت المصدر الرئيسي للتغطية المناوئة لما يُنشر ضد ترامب، إلى أن الأمر برمته قد يكون عملية تركية. في هذه الأثناء، اكتشف الشريك المؤسّس في هذه المجلة، شون ديفيز، أن خاشقجي أبلغ عن المقاتلين العرب الذين انضموا إلى “المجاهدين” الأفغان الذين قاتلوا السوفييت في الثمانينيات، والذين تابع بعضهم القتال وأسسوا تنظيم “القاعدة”، لكن من الواضح أنه يقترح (بمساعدة دونالد ترامب الابن) أن خاشقجي كان من المتعاطفين مع الإرهابيين الذين نالوا ما ناله اليوم.
ثمّة عدد من المفارقات هنا، أولها هو أن جهود “المجاهدين” الحربية كانت مدعومة بشدة من الولايات المتحدة (رغم إنكار كل من السي آي إيه وبن لادن تلقي أياً من هذه الأموال مباشرة، إلا أن صحافيين آخرين أبلغوا عن خلاف ذلك)، وبالعودة إلى تلك الأيام، قبل أن تصبح “القاعدة” جماعة إرهابية سيئة السمعة على مستوى العالم، قدم العديد من الصحافيين الغربيين لـ بن لادن تغطية غزيرة نسبياً مثل روبرت فيسك من صحيفة الإندبندنت عام 1993، ربما كانت التقارير عن خاشقجي موثوقة إلى حدّ ما، ولكنها لم تكن على الإطلاق أمراً معتاداً في ذلك الوقت.
والأكثر وضوحاً أن السعودية هي التي تُسلّح وتموّل تنظيم “القاعدة” بشكل مباشر، كجزء من حرب الإبادة الجماعية في اليمن، وقد يظنّ المرء أن ذلك من شأنه أن يثير بعض الشكوك حول ذرائع النظام حيال اختفاء خاشقجي، ومن الواضح أن الأمر ليس كذلك، لكن العديد من المحافظين لا يمكنهم أن يكلفوا نفسهم عناء الحفاظ على حملات التشهير في الداخل في هذه الأيام.
ومع ذلك، ذكر ديفيس علاقات إيران في واحدة من أكثر تبريرات التحالف السعودي تماسكاً، وفي محطة فوكس نيوز، يُحاول جيم هانسون الدفاع عن التحالف بناءً على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة “التي تتطلب الحفاظ على علاقات جيدة مع الحكومة السعودية”، قد يسأل سائل: ما هي تلك المصالح؟!.
باتت الأمور مفهومة، فمن منظور العقل المحافظ، إيران هي تهديد مطلق يسعى إلى تدمير أمريكا والحرية، في حين أن “إسرائيل” هي صديق وحليف مثالي، الأمة الوحيدة التي لم ترتكب أية خطيئة!!.
لا هذا صحيح ولا ذاك، فإيران لا تشكل خطراً عسكرياً على جيرانها أكثر من السعودية، التي يحكمها نظام استبدادي تماماً، بدأ بالفعل حرباً مع جاره اليمن، أما بالنسبة لـ”إسرائيل”، فلا يكاد يكون للديمقراطية وجود فيها، حيث إنها تحتجز 2.7 مليون فلسطيني تحت الحكم العسكري في الضفة الغربية، و1.9 مليون في ما هو في الأساس معسكر اعتقال في الهواء الطلق في غزة.
لكن الأهم من ذلك أن لا شيء من هذا له أي علاقة على الإطلاق بالمصالح الأمريكية، ولاسيما في الطريقة الأنانية (أمريكا أولاً!) التي يميل المحافظون إلى قولبتها، “نحن لسنا بحاجة للنفط السعودي، وعلينا أن نخفض استهلاكنا من النفط بأسرع ما يمكن على أي حال”. لقد تمّ مناقشة وضع إيران بإسهاب تدريجياً في مجتمع الدول المسؤولة عبر الاتفاق النووي حيث كانت خطوة جيدة لأمريكا، لكن الحقيقة الغامضة هي أنه لا “إسرائيل” ولا إيران يعنيان الكثير حقاً لأي من المصالح الأمريكية الأساسية، ربما تكون المكسيك أو كندا أكثر أهمية بعشر مرات من أيّ منهما. وبالفعل، وبالنظر إلى التاريخ الحديث المتمثل في إهدار تريليونات الدولارات والآلاف من أرواح الأمريكيين في حروب عدوانية لا طائل منها في الشرق الأوسط (ناهيك عن مئات الآلاف من الأرواح المحلية)، ربما يكون الموقف الأكثر حكمة بالنسبة لأمريكا في المنطقة هو فقط ألا تتدخل في ما لا يعنيها.
على أي حال، يجب أن يوضح ذلك لمَ لا يألو المحافظون جهداً في دعم ديكتاتورية وحشية، والمصالح الأمريكية لا تدخل في المعادلة؟!.