الصفحة الاولىصحيفة البعث

“السترات الصفراء”.. السبت على أبواب الإليزيه

 

تواصلت حالة الغليان الشعبي في فرنسا ضد سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الرغم من قرار السلطات الفرنسية تجميد الضرائب على الوقود لمدة ستة أشهر، فالأمر لم يعد يتوقّف فقط عند احتجاجات “السترات الصفراء”، فالطلاب وسائقو الشاحنات أعلنوا، أمس، عن تحركات احتجاجية جديدة ضد قرارات الحكومة الفرنسية، الأمر الذي يؤكد أن الرئيس ماكرون وحكومته في مأزق حقيقي، وكل المحاولات التي يقوم بها مع طاقهم للملة الأوضاع الداخلية تصطدم برفض جماهير كبيرة، وهذا ما بدأت تتداوله النخب الفرنسية.
وفي الجديد فقد أكدت حركة السترات الصفراء أن مطالبها لم تتحقق لبدء حوار مع الحكومة، وأنها ماضية في مطالبتها برحيل ماكرون، معلنة عن تنظيم احتجاج شعبي حاشد يوم غد، ومطالبة السلطات بالتخلي النهائي عن الضرائب على الوقود وزيادات الأسعار وليس فقط تجميدها، وتحسين الوضع المعيشي للفرنسيين من خلال زيادة ملموسة في الرواتب.
في سياق متصل خرج طلاب من نحو مئة مدرسة ثانوية في جميع أنحاء فرنسا ضد القرارات الجديدة حول التعليم والامتحانات، وقاموا بإغلاق الطرق المؤدية إلى العديد من المدارس إضافة إلى بعض الجامعات، وخاصة باريس الثالثة وتولبياك، اللتين توقفت فيهما الدراسة إذ ينتقد طلبتهما وطلبة الجامعات الأخرى الرفع الكبير لرسوم التسجيل بالنسبة للطلبة الأجانب التي بلغت 16 ضعفاً.
بدورهم سائقو الشاحنات لم يكونوا بمعزل عن هذا الحراك فقد هددت نقابتا “سي جي تي” و”قوة عمالية” بالدخول في إضراب لا محدود ابتداء من يوم الأحد المقبل لشل البلد في حال عدم زيادة رواتبهم، كما أن مربي المواشي سيتظاهرون أيضاً الأسبوع المقبل للتنديد بضعف القدرة الشرائية للمزارعين الفرنسيين.
من جهته أعرب مصدر في قصر الإليزيه عن مخاوف من وقوع أعمال عنف واسعة خلال الاحتجاجات الشعبية المرتقبة يوم السبت المقبل، مهدداً من خلال ذلك المحتجين بقمع تحركهم.
يشار إلى أن الاحتجاجات التي تشهدها مختلف المناطق الفرنسية منذ السابع عشر من الشهر الماضي وشارك فيها عشرات الآلاف ممن أصبح يطلق عليهم حركة “السترات الصفراء” تحوّلت إلى معضلة بالنسبة لماكرون، الذي أطلق كثيراً من الوعود والمبادرات منذ توليه الرئاسة في أيار عام 2017 لكنه لم يحقق منها شيئاً.
في السياق ذاته أكد الكاتب الفرنسي والبروفيسور في جامعة باريس غي موليار أن الرئيس ماكرون فقد كل رصيده وشرعيته خلال عام ونصف تقريباً من حكمه، معتبراً أن الاحتجاجات الشعبية التي تجري الآن في مختلف المناطق الفرنسية ربما تشير إلى قرب نهاية ولايته، وقال، في مقال بعنوان “انهيار فرنسا وازدراء ماكرون” نشر في موقع غيتستون الأمريكي للدراسات، إن ماكرون أعلن عقب انتخابه عام 2017 عن خططه لإعادة هيكلة الاقتصاد الفرنسي وتحريره إلا أن هذه الوعود ظلت حبراً على ورق ما أثار سخط الفرنسيين الذين ارتأوا التظاهر والاحتجاج على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومن الواضح أن الثورة بدأت تتفاقم ولا يبدو أن هناك ما يلوح بالأفق يدل على أنها ستتراجع.
وبين موليار أن نسبة البطالة في فرنسا بلغت 9.1 بالمئة وهو مستوى مرتفع بشكل ينذر بالخطر كما بلغ متوسط دخل الفرد 23 الف دولار أميركي وهو معدل ضعيف نوعاً ما إلى جانب ارتفاع عدد الفقراء إلى 8.8 ملايين شخص أي ما يعادل 14.2 بالمئة من إجمالي السكان، وأكد أن القرار الأخير المتعلق بزيادة الضرائب على الوقود كان القشة التي قصمت ظهر البعير حيث أثار غضب المواطنين الذين أصدروا عريضة طالبوا فيها الحكومة بالتراجع وجمعوا ما يقرب من مليون توقيع خلال يومين ونظموا مظاهرات في جميع أنحاء البلاد، وأشار إلى أن احتجاجات “السترات الصفراء” تحظى بدعم 84 بالمئة من الفرنسيين الذين يطالبون باستقالة ماكرون وإجراء تغيير فوري للحكومة، مبيناً أن أقلية صغيرة ما زالت تدعمه من الذين لم يتأثروا بإجراءاته وتظهر الدراسات الاستقصائية أن هذه الفئة تنتمي للطبقات الثرية وتعيش في أحياء راقية ولكن الوضع مختلف بشكل مؤلم لبقية فئات الشعب وخاصة الطبقة الوسطى المنسية، لافتاً إلى أنه على مدى أشهر تراجعت شعبية ماكرون إلى أدنى مستوى ليصبح الآن الرئيس الأقل شعبية في تاريخ فرنسا الحديث.
إلى ذلك حذر وزير المالية الفرنسي جيرالد دارمانان من أن بلاده تواجه لحظة خطيرة، وزعم أن “إلغاء الضرائب سيكلف الحكومة الفرنسية أربعة مليارات يورو ما يعادل 4.5 مليارات دولار”، إلا أنه أشار إلى أن حكومة بلاده ستحافظ مع ذلك على أوضاعها المالية العام القادم.
كما أعلن الأمين العام لنقابة الشرطة الفرنسية ألكسندر لنغلو أن النقابة بصدد تنظيم إضراب عن العمل غداً السبت دعما لاحتجاجات “السترات الصفراء”، وقال لموقع إخباري محلي: “إن مطالب السترات الصفراء تهمنا جميعاً، وحان الوقت للتضامن معهم بشكل قانوني.. موظفون إداريون وتقنيون وغيرهم من العاملين في وزارة الداخلية سيشاركون في الإضراب”.
كما أوقفت الشرطة الفرنسية 146 شخصاً أمام مدرسة مانت لا جولي الثانوية شمال غرب العاصمة باريس بعد اشتباكات بين متظاهرين وقوات الأمن على خلفية احتجاجات طلاب المدارس الثانوية، وذكرت إذاعة فرانس أنفو أن الشرطة اعتقلت 146 شخصاً أمام المدرسة جراء اندلاع أحداث عنف، حيث تمّ إحراق سيارتين والتعرّض للمنشآت العامة.