“السترات الصفراء”: الاحتجاج حتى رحيل ماكرون
على الرغم من حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيكشف عن إصلاحات حقيقية خلال خطابه المرتقب يوم الثلاثاء، ورغم إعلان السلطات الفرنسية مساء السبت أن الاحتجاجات، والمستمرة منذ الـ 17 من تشرين الثاني الماضي، باتت “تحت السيطرة”، إلا أن محتجي حركة “السترات الصفراء” دعوا مجدداً إلى مواصلة المظاهرات يوم السبت القادم تحت شعار “ارحل ماكرون”.
دعوة تؤكّد مرة أخرى أن الشرخ كبير بين نظام ماكرون والشعب الفرنسي، الذي لم يكتف بالمطالبة برفع ضريبة، أو التراجع عن سعر مادة، بل رفع من سقف مطالبه، لأول مرة منذ انتفاضة الستينيات من القرن الماضي، إلى إسقاط الرئيس، وتغيير النظام السياسي.
وفيما تتصاعد الاحتجاجات، وجّه ماكرون الشكر لقوات الشرطة الفرنسية، التي قمعت المتظاهرين المطالبين بتحسين الظروف المعيشية في البلاد، وكتب على تويتر: “إلى جميع قوى النظام المعبأة اليوم أشكركم على الشجاعة والمهنية الاستثنائية التي أظهرتموها”، فيما أعلن وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير، أن الرئيس الفرنسي أعطى تعليمات قبل أسبوع بـ “تغيير استراتيجية وتكتيك احتواء الاحتجاجات”.
استطلاع جديد للرأي أجراه معهد إيلابي أظهر أن 73 بالمئة من الفرنسيين يدعمون الحركة الاحتجاجية ضد ماكرون، في حين أن 54 بالمئة من الفرنسيين، الذين انتخبوا ماكرون، أعربوا عن تعاطفهم مع المحتجين.
في سياق متصل طالب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم التدخل في الشؤون السياسية الداخلية لبلاده. وكان ترامب، وفي محاولة منه لاستغلال احتجاجات حركة “السترات الصفراء” في فرنسا لتبرير انسحابه من اتفاق باريس حول المناخ العام الماضي، قال في تغريدة على تويتر: “إن هذه الاحتجاجات دليل على فشل اتفاق باريس الذي لا يسير على نحو جيد بالنسبة إلى فرنسا في ضوء تنظيم حركة مظاهرات وأعمال شغب في كل أنحاء البلاد”.
وقال لودريان، في برنامج تلفزيوني: أقول لدونالد ترامب، والرئيس إيمانويل ماكرون قال له أيضاً، “نحن لسنا طرفاً في النقاشات الأميركية.. اتركونا نعيش حياتنا حياة أمة”، وتابع: نحن لا نضع السياسة الداخلية الأميركية في حساباتنا، ونريد أن يكون ذلك بالمثل.
من جهته حذّر وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير من كارثة اقتصادية في فرنسا جراء الاحتجاجات، وقال، في تصريح صحفي أثناء زيارته المحال التجارية التي تعرّضت للنهب في باريس خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة: “إن العنف المرتبط بالمظاهرات التي تجتاح البلاد يشكل كارثة بالنسبة لاقتصاد فرنسا.. إنها كارثة بالنسبة للتجارة وكارثة على اقتصادنا”.
وشلّت الاحتجاجات، التي توالت على مدى أربعة أسابيع، فيما سمي يوم “السبت الأسود”، العاصمة الفرنسية باريس، كما اتسعت نطاق التحرّكات الاحتجاجية المناهضة لماكرون مع خروج مظاهرات في عشرات المدارس للاعتراض على إجراءات تتعلّق بالتسجيل في الجامعات الفرنسية، بينما دعا مزارعون إلى احتجاجات الأسبوع المقبل، واستغلت نقابة العمل الفرنسية (سي جي تي) الاحتجاجات، داعية إلى إضرابات في صفوف عمال السكك الحديدية والمترو يوم الجمعة المقبل للمطالبة بزيادة فورية للرواتب والمعاشات التقاعدية.
تأزم الأوضاع في فرنسا وحنق الشارع الفرنسي ينذران بمستقبل قاتم بالنسبة للرئيس الفرنسي، ويبدو أن الحلول التي تحاول حكومته إيجادها للخروج من الأزمة لن تنجح، ولم يتبق أمام ماكرون الآن إلا ورقة أخيرة ليلعبها، وهي إقالة الحكومة، كما جرت العادة عند مواجهة أحد الرؤساء الفرنسيين لمثل هذه الأزمات.