ثقافة

حق المتلقي والسلم العالمي!

كثرت وسائل الإعلام ووسائل التعبير وطرق هذا التعبير، وحتى الشفهي منها صار وسيلة تعبير وصار حقاً لصاحبه.. ومن الطبيعي أن يكون الإعلام حقاً قانونياً ومجتمعياً وشعبياً– داخلياً وخارجياً– وأممياً أيضاً!. وقد كنا نعد المحطات التلفزيونية الناطقة باللغة العربية وحدها بالعشرات، ثم صرنا نعدها بالمئات والآن صار عددها يتجاوز الألف ومئات؛ فما بالك إذا أردنا أن نعد إلى جانبها محطات الإذاعة أيضاً، وكذلك الصحف والمجلات العربية التي تصدر في الوطن العربي وفي خارج الوطن العربي، هذا إضافة إلى النشرات والتصريحات الدائمة والمستدامة أحياناً!. ومن المعروف أن كل هذه الوسائل والطرق للتعبير، والمتنوعة والمتعددة بحد ذاتها أيضاً، حرة ومتحررة، وثمة قوانين وفي كل مكان تنص وتؤكد على حريتها وتحررها في كل ما تريد وتفعل وتقول، وفي كل مكان تريده في هذا العالم. وسقى الله أيام كان البث التلفزيوني عندنا يبدأ من السادسة مساء وحتى الثانية عشرة ليلاً ولا توجد سوى هذه المحطة في كل الليل والنهار. وكنا ننتظر بداية البث مساء بكل رغبة.. بكل لهفة وتشوق ولم تكن تعرض بلادنا من الدراما التلفزيونية، التمثيليات والمسلسلات، سوى حلقة واحدة في الأسبوع كله ولا غير. وكان المسلسل التلفزيوني قصيراً، مجرد ثلاث عشرة حلقة ويستمر عرضه أكثر من ثلاثة أشهر، وكانت بعض محافظاتنا البعيدة تشكو من أنها لا ترى المسلسل!.
ونعود من هذه الذكريات الحلوة على قلوبنا ونفوسنا إلى موضوعنا، حيث وسائل الإعلام والتعبير المتعددة والمتنوعة حالياً والناطقة باللغة العربية تحديداً وفي كل أنحاء العالم وكيف أنها حرة ومتحررة وفي كل ما تريد وتعمل وتعرض وتقدم، وبالتالي لكي نطرح سؤالنا الكبير اليوم وهو حق المتلقي، هذا الإنسان الذي يشاهد ويسمع ويقرأ ويرى كل هذا المسموع والمقروء والمرئي والمعروض والرقمي أيضاً! حوله وفي بيته وفي حياته وفي كل أنحاء العالم؟!. أوليس حق المتلقي أيضاً حقاً قانونياً ومجتمعياً وشعبياً- وداخلياً وخارجياً- وأممياً أيضاً؟!
وبما أن هذا التلقي له علاقة ماسة بالقيم العليا التي نعرف، بالجمال والأخلاق والحب والعطاء والتسامح والجرأة في تقديم الخدمات للإنسان والشجاعة والتضحية في سبيل ذلك، والأهم هنا: كشف كل أساليب اللف والدوران من أعداء الشعوب، مثل أفلام الجريمة واللصوصية والقتل والاغتصاب، والتخطيط لكل ذلك وبشكل فني يعرضونه على النظارة في صالة السينما وحتى على المشاهد على الشاشة الصغيرة أحياناً. وسؤالنا الكبير الآخر، هل الكاتب نفسه هو الذي يكتب هذا النوع السلبي، الإجرامي، من الأعمال ويقدمها للناس؟!. هل يعقل أن أدباءنا وأدباء العالم الذين نعرف قد قدموا هذه الأعمال أو مثل هذه الأعمال، وهم في الأصل أعداء ألداء لهذه الأعمال؟!. وذلك لأنهم وُجدوا ليكتبوا الأدب الرفيع مثل القصة القصيرة والمسرحية والرواية والشعر الإنساني الرائع وكذلك المقالة النقدية لكل هذه الأعمال والتي توجهها جميعها نحو خدمة الإنسانية والقيم العليا؟. إذن وكما نعرف جميعاً ونعترف، لا علاقة لكل الأدباء عندنا وفي العالم كله بهذا النوع من الأعمال والعروض، ومن حسن الحظ بل من أفضل وأعظم ما أحدثته هذه التطورات الفكرية والثقافية والإنسانية والأخلاقية في حياتنا الحديثة أنه قد تشكل هذا النفور الجماعي العام وفي العالم كله من هذا النوع من العروض! هذا فضلاً عن القوانين الإنسانية التي تدخلت سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ضد هذا النوع من العروض، والأشبه بأعمال الجريمة المنظمة، إن لم تكن في حقيقتها كذلك!. وهكذا تكون النصيحة اليوم أن يلجأ الجميع ويعمل لإنتاج الأعمال الجميلة الإنسانية والوجدانية وفي كل مكان من هذا العالم أيضاً. خاصة وأن كل الطرق أصبحت مفتوحة وحتى النوافذ مفتوحة كي يعود المتلقي وفي كل أنحاء العالم وعبر كل الشاشات وبأنواعها وكل وسائل العرض وطرقه ليرى ويتفرج ويقرأ ويسمع كل ما تريد أن تقدمه له الإنسانية وبكل ما تمتلك من الأخلاق والقيم العليا والتي ستكون وباستمرار الدائمة والثابتة في حياة كل الشعوب ودون استثناء، وما هذه التطورات باتجاه السلم العالمي والاتفاقيات الإيجابية العالمية إلا الدليل القوي والحقيقي والناصع والملموس من الجميع على ذلك!.
أكرم شريم