ألف باء الإصلاح المنشود ومكافحة الفساد
أعوام عديدة مضت – وأوشكنا أن نقول عقود– ونحن نسمع ترديد مقولة الإصلاح ومكافحة الفساد، ولا حرج أن نقول إن ما تحقق من تقدم في هذا المجال، أقل بكثير مما هو منشود، بل ربما من غير المجحف أن نقول لا تقدُّم يذكر، لأن ما حدث من إصلاح بين زمان ومكان، حدث خلل موازٍ له، وربما أكثر من ذلك، بين زمان ومكان آخرين، وإنْ يكن للإرهاب دور حقير، فللإهمال دور خطير، ولكن اللافت للانتباه أن الفشل لم يبعث على التراجع، بدليل اليقظات التي تظهر بين حين وآخر عقب كل نوم أو سهو أو غفلة، إذ مازالت طروحات الإصلاح قيد التداول الرسمي تشريعاً، والأمل الشعبي تنفيذاً، ولا زلنا محكومين بالأمل، وخاصة عندما نلمس تذكُّر السلطات الرسمية لوعودها الإصلاحية، ولو تباعدت المدة بين ذكرى وأخرى، ولو لم يتحقق اليسير ذكره خلال المدة الفاصلة.
قبل أيام تناقلت بعض المواقع الإعلامية ما مفاده، أن الحكومة مهتمة مجدداً بإعادة دراسة مسودة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، واعتماد صيغة نهائية لها خلال ثلاثة أسابيع من تاريخه، ليصار إلى عرضها على مجلس الوزراء، مع الاستعانة بخبراء ومختصين في هذا المجال، وإضافتهم إلى لجنة إعداد الاستراتيجية.
هذه المعلومة الأخيرة توجب المزيد من التقدير لهذا الاهتمام الجديد، والذي هو محط ارتياح وشكر الملايين من المواطنين، بالتوازي مع أحقيتهم في جواز شرعية السؤال التالي؟ هل يحتاج الإصلاح لكل هذه الاستراتيجيات والخبرات وأهل الاختصاص، وكل ما يترتب على ذلك من نفقات، خاصة وأنه سبق أن صدر العديد من الأوامر والتعليمات والقرارات، وتشكيل العديد من اللجان، التي لم تثمر، والخشية كبيرة من أن يقع الخبراء والمختصون الجدد، في معترك تباين الرؤى فيما بينهم، ويطول الوقت، أو تكون محصلة المنظِّرين أدنى من طموحات وآمال المنتظرين، وينطبق المثل الذي يقول “كثرة الطباخين تفسد الطبخة”، ونعود من جديد، سكُون فرُكون، فاستفاقة بعد فاقة.
لما كان أهل الدار أدرى بالذي فيه، أقترح مدخلاً أولياً للإصلاح، ينطلق من الإقرار الجريء أن الخلل ما صغر منه وما كبر، قائم موجود عند نسبة غير قليلة من العاملين في الدولة، على اختلاف مهامهم وكفاءاتهم، وأيضاً قائم موجود عند أغلب المؤسسات، ما يوجب اعتماد مقولة “خير المصلحين من بدأ بإصلاح نفسه”، أي باعتماد الإصلاح من خلال الإدارات القائمة حالياً، والتقنين من تشكيل هيئات جديدة، عبر تشكيل لجنة مركزية عليا لتحقيق الإصلاح، مؤلفة من خيرة مفتشي الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، والجهاز المركزي للرقابة المالية، وأن تكون فروعها (لجان فرعية لتحقيق الإصلاح) في المحافظات من خيرة مفتشي فروع الهيئة والجهاز، على أن تقوم اللجنة المركزية بتصميم استمارة تتضمن أربعة بنود، البند الأول يتضمن حالات الخلل الإداري الموجودة، ويتضمن البند الثاني المقترحات التي تساعد في معالجة هذا الخلل، والبند الثالث يتضمن حالات الفساد الموجودة، ويتضمن البند الرابع المقترحات التي تساعد في معالجة حالات الفساد هذه، على أن توزع هذه الاستمارة رسمياً على أصحاب المهام، بحيث يجيب كل رئيس شعبة على هذه الاستمارة، ويحدد دوره المتوجب وفاعليته الممكنة في معالجة بعض الخلل وبعض الفساد في شعبته، ويسلمها لرئيس دائرته (أو رئيس قسمه) الذي عليه أن يملأ مثيلها على مستوى دائرته أو قسمه، ويسلمها إلى مديره أو مديره العام، الذي عليه أن يملأ مثيلها على مستوى مديريته، ومن ثم يدعو إلى عقد مؤتمر لمديريته في المركز الثقافي في المحافظة بحضور رئيس كل من فرعي الهيئة المركزية للتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، ورئيس اللجنة الرقابية في مديريته، واللجنة الفرعية للإصلاح في المحافظة، ومديريتي التنمية والتخطيط في المحافظة، وأعضاء المكتب التنفيذي للإدارة المحلية، وممثلين عن وسائل الإعلام والمحامي العام، ويستعرض مضمون استمارته، ومدى استعداده وإمكاناته في تحقيق الإصلاح المتوجب عليه ذاتياً، وما هي مقترحاته ومطالبه لمعالجة بقية ما هو خارج عن صلاحياته، نتيجة تداخله مع جهات أخرى يحددها، على أن يعقد اجتماع مماثل في دمشق لجميع مديريات كل وزارة، ويستعرض الوزير الاستمارة الجامعة المملوءة منه عن وزارته، ويحدد مقترحاته وتطلعاته لعلاج خلل وزارته وفسادها، واقتراحاته لحل الخلال والفساد الناجمين عن التداخل مع الجهات الأخرى، على أن يتم الاحتفاظ باستمارات كافة المسؤولين، لكي يتحمل كل مالئ استمارة مسؤوليته عن إخفاء إظهار أي حالة خلل أو فساد، أو قصور معالجتها لاحقاً. وحبذا أن يكون العمل وفق تراتبية معينة، تشمل جميع الوزارات بالتتابع خلال عام، والتنسيق لمعالجة الخلل والفساد الداخلي والبيني، بين كل مديرية واللجنة الفرعية للإصلاح في المحافظة، وبين كل وزارة واللجنة المركزية في العاصمة، وبين المديريات ووزاراتها، واللجان الفرعية واللجنة المركزية، على أن تكون جميع المنظمات – بما في ذلك الحزبية – والنقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع الأهلي مشمولة باعتماد نفس الطريقة، وأن تتابع جميع الجهات الرقابية والإعلامية تنفيذ ذلك، على أن تعقد كل مديرية وكل وزارة اجتماعاً مماثلاً للسابق كل ستة أشهر، لتقييم الأعمال المتحققة، وتدارس الصعوبات المعوقة لمعالجتها، وعلى الأغلب ستؤسس هذه الإجراءات مدخلاً للدور المنوط في ضوء الاستراتيجية الوطنية العليا للإصلاح ومكافحة الفساد المعتمد إعدادها واعتمادها.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية