أنثى الدهشة والحلم

سلوى عباس
لم يكن قد مضى على حبهما إلا أشهراً قليلة، عندما جاءها متأبطاً باقة ورود حمراء يانعة وأرفقها برسالة مزينة بشرائط ملونة، وأعطاها إياها وهي مذهولة تتساءل بينها وبين نفسها عن مناسبة هذه الهدايا، وبين تردد وخجل من ابتسامته التي تنم عن إدراكه لارتباكها بادرته قائلة: لماذا هذه الهدايا؟ اليوم ليس عيد ميلادي، ولا أذكر أن هناك مناسبة تتطلب هذه الخطوة، وتابعت بابتسامة مواربة: إلا إذا كنت أحضرتها بمناسبة ذكرى ثورة الثامن من آذار، فأجابها وابتسامته لازالت مرتسمة على شفاهه: هي بمناسبة الثامن من آذار، ولكن ليس لذكرى الثورة التي لها علينا حق الاحتفال، لكن هذه الورود هدية لك في عيدك كأنثى وهبني الله محبتها وأنا لم أعتد الجحود بالنعم، وبقدر ما أخجلها هذا الكلام بقدر ما فرحت بهذا الموقف وبهذه المناسبة التي لم تعطها من قبل أي اهتمام، ولأن الفضول غلبها فتحت الرسالة وما بين لهفتها لقراءة سطورها ونظراته التي كانت تلاحقها وتؤكد عليها أن تقرأ فاجأتها رقة العبارات التي كتبها، فلأول مرة تقرأ كلاماً كانت تظنه خلق للحكايات وقصص الحب التاريخية فقط.
كتب لها: في يوم المرأة العالمي.. لأنثى من توت وياقوت.. أنثى الدهشة والحلم، في ملامحها كل الإحساس بالفرح وكل الأحزان، أنثى بحضورها تتدفق الليالك، وينهمر الياسمين.. احتفاء بأنثاي التي تنبت الدروب محبة وعطاء، صفحة من الفضّة والماء تعطي لحالاتي ألوانها، وترمي بظلها الوردي في السهوب فينطلق عيد الأرض واحتفالات الأفق.. فكيف أحتفل بعيدك.. ماذا أقول لك.. ماذا أهديك في يومك وكل الهدايا أقل من غمامتك.. كثيرة هي الهدايا التي قد تخطر ببالي لكنها لا توازي بهاءك.. فلو أنني أستطيع لأهديتك نهراً يوازي قلبك.. ولسكبت في راحتيك ألوان الجنان، وقطفت لك قوس قزح وألفاً من النجوم.. لو أنني أستطيع لجمعت ضوء الشمس في سلّة وقدمتها لك، وعتّقت عناقيد الياقوت في جرّة وجدلت لك الماء وعروق الذهب.. لو أنني أستطيع كنت زخرفت مساحة السماء باسمك، وأوقفت الزمان ولكنت لوّنت أيامك بالبحر واستمالات الأقحوان، وصنعت لك من الضوء سريرك، ومن الياسمين ثوبك، ورصفت طرقاتك بالندى، وجعلت بابك من عقيق، ورسمت وجهك على الزهر والجدران، ونشرت عطرك في الهواء والماء والتراب، وسخّرت لك الموج والرياح وسحب المطر.. الأنواء والتلال وباسقات الشجر.. آه لو أستطيع!!.. لكنني أستطيع أن أهديك قلباً من لحم ودم.. يحب ويغضب قليلاً.. أستطيع أن أضع أيامي سواراً في معصمك، وأن أجعل روحي باقة من قرنفل تزين أوقاتك.. هل تقبلين؟!.
أغلقت الرسالة ونظرت في عينيه التي أشرقت بضياء الفرح وقالت له: لأول مرة أحتفل بيوم المرأة، ومن الآن وحتى نهاية التاريخ سيكون هذا اليوم كما كل أيام شهر آذار بشارة للحب والخير والجمال وكل عام والمرأة السورية بكل خير وأم الشهيد التي ضاهى عطاؤها بهجة كل عيد ستبقى منارة لكل الأعياد والاحتفالات.