ثقافة

ثائر العجلاني شاهِدُ الكلمة وشهيدها

ليست هي المرة الأولى التي يفقد فيها الإعلام السوري خلال الأزمة واحداً من رموزه على يد أصحاب الضمائر الميتة والعقول المتحجرة والقلوب الخاوية حتى من رحمة ربها، وفي كل مرة كان يسقط واحدٌ من شهداء الكلمة على يد (أحرار) القرن الحادي والعشرين المخضَّبة بدماء شعبنا كنا نردد ونتمنى أن يكون هو آخر شهداء الكلمة الحرة والفكر النيّر، لكن يبدو أن عجلة الحرية على الطريقة الأميركية تريد أن تطحن في طريقها كل من يحمل بيده قلماً شريفاً يدافع فيه عن الوجود والحياة ضد العدمية والموت.
ثائر العجلاني وبشهادة كل من عمل معه وخَبِر حماسه وإخلاصه في عمله لم يكن إعلامياً عادياً أو عابراً في حياة الإعلام السوري الذي جوهرت الأزمةُ أسماءَ بعضِ العاملين فيه ممن نذروا أنفسهم ليكونوا صوت الحق والحقيقة فكانوا على خط النار، غير هيّابين ولا خائفين، فنقلوا الصورة كما هي، مضحين بأغلى ما يملكه الإنسان.
لم يكن الإعلامي الشهيد رجلَ كلمة وخبر فحسب، بل كان صاحب قضية يشكل الإنسان جوهرها وغايتها، فقد كان الإعلام بالنسبة له وسيلة للارتقاء بقيمة الإنسان لا الحطّ من قدره كما تفعل اليوم الكثير من وسائل الإعلام العربية، التي حوّلت الإنسان العربي إلى رقم للمتاجرة بدمائه وتصفية الحساب مع من يخالفونها الرأي، ويقزّمون بمواقفهم فكرَها ونهجَها المخرّب والمدمّر.. والواقع أن الأنموذج الذي قدمه ثائر العجلاني وكلُّ إعلامي سوريّ اختار أن يكون شاهداً على جريمة العصر بحق سورية وشعبها، لا بدّ وأن تكون له تداعياته الإيجابية على الأجيال اللاحقة من الإعلاميين العرب عامة والسوريين خاصة، حيث قدّم هذا النموذج مفهوماً جديداً للإعلاميّ بعيداً عن الاستوديوهات وإضاءتها وبهرجتها.. سيقدم هذا النموذج مفهوماً جديداً للإعلامي يقوم على صدق الموقف وبذل الذات في سبيل أن تبقى راية الحقّ خفاقة عالية.
الإعلام السوري يفتقد اليوم ثائر العجلاني ورفاقه ممن سبقوه على درب الخلود، لكن بالمقابل هناك المئات من الشباب السوري الشجاع والمقدام المستعد لأن يقوم بنفس الدور الذي قام به ثائر ورفاقه ويقوم به اليوم زملاؤه على خط النار، وهؤلاء المئات إن لم يكونوا أكثر ليسوا بحاجة سوى إلى إعطائهم الفرص لإثبات قدرتهم على أن يكونوا صوت الوطن في كل مكان، وفي كل ظرف يتطلب رجالاً حقيقيين يعرفون معنى الرجولة ويترجمونها عملاً وقدرة على العطاء بغير حدود.