تحقيقات

لزيادة دخل الأسر الريفية زراعة الفطر في البيوت.. جدوى اقتصادية وإنتاجية عالية بتكاليف بسيطة

 

تكاليف بسيطة، وخطوات تحضير سهلة، وعوائد مادية مقبولة يمكن أن تساهم بتحسين دخل الأسر السورية، وتحقق لهم مدخولات إضافية في ظل ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة يمر بها المجتمع، تغدو معها مشاريع إنتاج الفطر المنزلي فكرة جيدة تحظى بشعبية مجتمعية، ويتجه لتطبيقها الكثيرون بعد تجارب تكللت بالنجاح في السنوات الماضية من بعض المهتمين والباحثين في هذا المجال، عائلات كثيرة تحدثنا إليها بعد أن قامت بتنفيذ تجارب زراعة الفطر المنزلي عبّرت عن رضى كبير لنجاح مثل تلك الزراعات، ومساهمتها في تخفيف بعض الأعباء المعيشية عنهم في ظل الارتفاع شبه اليومي بأسعار الاحتياجات الأساسية الضرورية لمعيشتهم.

يشارك أبو أحمد، أحد سكان قرى طرطوس التجربة التي نفذها مع أسرته منذ أشهر تقريباً ومع جيرانه، ويستعرض لهم من خلال بعض الصور التي التقطها على جواله المراحل البسيطة لتلك الزراعات، والصور عبارة عن ثمار فطر محاري بمرحلة النمو تخرج من كيس نايلون شفاف زرعت بداخله الأبواغ، ويرى الرجل ضرورة تشجيع كل المهتمين في المجال الزراعي بالتوجه نحو هذا النوع من الزراعة المنزلية التي لا صعوبة في تطبيقها، ولم تعد حكراً على أصحاب الخبرة والاختصاص في مجال الزراعة، فحتى الهواة أيضاً باتت لهم تجاربهم الفريدة، ليكون التوسع في زراعة الفطر المنزلي، وانتشار تجاربه، تجربة تستحق الإغناء في الحديث عنها.

دون خبرة مسبقة

وبالعودة للحديث عن الفكرة مع بعض منفذيها من العائلات، يتحدث الكثيرون كيف أن الفكرة انتقلت بالتواتر إليهم، ومن خلال السماع بنجاحها عند البعض، حيث يتم التوجه إلى أماكن بيع الأبواغ الضرورية لعملية الزراعة في مديرية الزراعة، والبحث عن الطرق الأكثر نجاحاً في طريقة زراعتها وإنتاجها للتطبيق، تقول المهندسة الزراعية شهد، إحدى منفذات زراعة الفطر المنزلي: كنت مصرة جداً على تنفيذ تلك التجربة بحكم دراستي في مجال الهندسة الزراعية، والرغبة بتحقيق ربط عملي للدراسة النظرية، إضافة لمساعدة أسرتي، فتوجهت لمديرية زراعة طرطوس، وأخذت كل المعلومات الضرورية، ولكن للأسف لم أتمكن من الحصول إلا على نصف لتر من الأبواغ الضرورية في عملية الزراعة، وتعاونت مع أخي في تجهيز بيئة الزراعة وفعلاً بدأ المشروع دون أية تكاليف تذكر، وتكمل: الجميل بالأمر أن العائد سيكون بإنتاج كبير خلال فترة قصيرة، وكانت النتيجة مرضية: “نصف كيلوغرام أبواغ ينتج 3 كيلوغرامات فطر”، وكانت سعادتي لا توصف حين نجحت تلك التجربة التي أشجع جميع الأسر على الخوض بها حتى وإن افتقدوا للخبرة السابقة، فعملية الزراعة سهلة جداً، ويمكن لأي شخص تجربتها ببساطة، واليوم أعدت التسجيل مجدداً في مؤسسة إكثار البذار للحصول على كميات أخرى من الأبواغ، ولكن للأسف هناك صعوبة دائماً بتوفر هذه الأبواغ والحصول عليها!!.

تجارب أخرى ناجحة

كان من الملفت أيضاً أن نجد تجارب أخرى ناجحة يتحدث أصحابها عن سهولة عملية تلك الزراعة منزلياً حتى مع البدء بها من نقطة الصفر، أي عبر الحصول على خيوط الميسيليوم الموجودة في الفطر الناضج وإنتاجها بطريقة منزلية دون الحاجة لوجود مختبرات، وخاصة في أنواع معينة من الفطر كالفطر المحاري أو الصدفي، يقول علي عباس، صاحب إحدى التجارب الناجحة: إن كل متطلبات هذه العملية يمكن الحصول عليها ببساطة وزراعتها منزلياً بطريقة سهلة إذا تم استخراج خيوط الميسيليوم من فطر محاري ناضج وتوزيعها ضمن طبقات رطبة من الكرتون، ثم وضعها في حافظة بلاستيكية معزولة عن الضوء لمدة 20 يوماً، وبعدها القيام بالمرحلة الثانية من الزراعة عن طريق توزيع هذه الأبواغ ضمن بيئة من القش أو التبن المعقم المعبأ في أكياس نايلون شفافة، ثم انتظار مدة 45 يوماً ليصبح الفطر ناضجاً وجاهزاً للطهو أو التحضير، ويؤكد علي على أهمية التعقيم والنظافة في هذه الزراعة، ويقول إنها ضرورية للحفاظ على سلامة الفطر، ويوضح: الأبواغ السليمة يكون لونها أبيض، وأي تغير في اللون يشير إلى عدم صلاحية الفطر، ويضيف: هذا التوجه مهم في هذه الظروف الاقتصادية، وله مردود اقتصادي لابأس به بالنسبة للأسر السورية، وأنا سأستمر بتلك التجربة.

أبواغ متوفرة

معلومات مماثلة عن زراعة الفطر حصلنا عليها من فرع المؤسسة العامة لإكثار البذار في طرطوس، مع شرح علمي أوضح وإرشادات تشجع على التجربة الشخصية، وهناك كان الحديث مع مديرها حيان عبد الله الذي أكد توافر الأبواغ ذات النوعية الجيدة في المؤسسة، وتقديمها بأسعار مشجعة لكل من يود التجربة من المواطنين، حيث يباع اللتر بسعر 1800 ليرة سورية، وأوضح عبد الله أن المؤسسة أنتجت خلال عام 2018 كمية تصل إلى 6391 لتراً من بذار الفطر المحاري والأبيض، وكان التوزيع لفروع المؤسسة في حماة، وحمص، وحلب، واللاذقية، كما أكد عبد الله قيام المؤسسة بدورات توعية في مختلف أنحاء المحافظة بالتعاون مع محافظة طرطوس، إضافة للنشرات التي توزعها المؤسسة للتعريف بزراعة الفطر كون أغلب الزراعات في الفترة الحالية هي زراعات منزلية، مؤكداً على ضرورة النشاط بهذه الزراعات في الأشهر المقبلة، على اعتبار أن زراعة الفطر تتركز خلال الربيع والخريف بسبب اعتدال درجة الحرارة.

تشجيع وانتشار

وحول تأثير انتشار بعض الفطور السامة، وحالات التسمم التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية، وتأثير هذا الأمر على تجارب زراعة الفطر المحاري أو انتشارها، أكد مدير المؤسسة أنه لم يكن هناك أي تأثير يذكر كون البذار الموزعة من قبل المركز معروفة، والأصناف جيدة ومجربة، وعلى درجة عالية من الموثوقية، وبالتالي فإننا ننصح كل المهتمين بزراعة الفطر باستجرار البذار من المؤسسة، كون البذار مختبرة ومجربة، وعن الأنواع المتوفرة أوضح بأن المؤسسة حالياً تقوم بإنتاج نوعين من الفطر بأسعار تشجيعية، الأول الفطر الأبيض المشروم، ويأتي هذا النوع في المرتبة الأولى عالمياً، وتعتمد زراعته على مخلفات الإنتاج الزراعي كالقش وروث الحيوانات، لكن شروط زراعته من الصعب توفيرها منزلياً كونه يتطلب رطوبة عالية بين 60 و90 درجة مئوية، لذلك نشجع زراعة النوع الثاني منزلياً، وهو المحاري أو الصدفي الذي تقوم المؤسسة بإنتاجه وتوزيعه أيضاً.

وختم عبد الله: هناك تحضير وتعاون قادم مع مكتب الشهداء في محافظة طرطوس لإجراء دورات تدريبية على زراعة وإنتاج الفطر كون الحرارة المعتدلة في المنطقة الساحلية، والرطوبة تساعدان على انتشار هذه الزراعة.

أهمية اقتصادية

يؤكد خبراء اقتصاديون على الأهمية الاقتصادية الناتجة عن نشر مشاريع كهذه في منازل السوريين بهدف زيادة دخل الأسر الريفية، وتأمين مصدر مالي إضافي لهم يساعدهم في حياتهم المعيشية، فزراعة الفطر ذات جدوى اقتصادية ناجحة، وإنتاجية عالية، حيث إن كل 1 كغ بذار أو أبواغ تنتج 6 كغ من الفطر الناضج بمدة لا تزيد عن 45 يوماً، وبتكاليف بسيطة جداً، وهنا يجب التأكيد على الدور الإرشادي الذي تقوم به مديريات الزراعة عبر دورات تدريبية توضح الجدوى الاقتصادية لنشر مثل هذه المشاريع على مستوى الجمهورية العربية السورية، وعن الجدوى الاقتصادية لمشروع الفطر قال الدكتور مجد أيوب، مدير الاقتصاد الزراعي والاستثمار في وزارة الزراعة: نستطيع الجزم بأن مشروع زراعة الفطر في المنازل هو مشروع صغير وناجح جداً، إذ يمكن أن يزرع أي شخص بضعة صناديق، ويستخرج خلال شهرين 50 كيلوغراماً، ثم يؤمن تسويقه بـ 700 ليرة كحد أدنى، علماً أن كلفة الإنتاج عليه لن تتجاوز الـ 400 ليرة، أي يؤمن ربحاً صافياً يقدر من 50 إلى 80% خلال مدة قصيرة، وأكد أيوب أن هناك تعاوناً دائماً مع غرف زراعة دمشق التي بدأت منذ مدة بطرح غرف “تحضين” خاصة، وبيعها للمواطنين للحصول على ظروف مثالية لزراعة وتربية الفطر، ودرجة حرارة ثابتة لفترة طويلة من الزمن، مشيراً إلى أن المنظمات الدولية لا تقدم مساعدات مباشرة للحكومة، فيكون التنسيق مع اتحاد الغرف الزراعية لتكون وسيطاً بيننا وبين المنظمات العالمية التي تضع خطط التوزيع للبذار على اختلاف أنواعه، وختم د. أيوب: الفطر مادة تتضمن البروتين النباتي، وهي مستهلكة محلياً بشكل جيد، فحين تنتج في المنازل تقدم دخلاً إضافياً للأسر من مساحات مهمشة من بيوتهم، وربما تتحول بعد فترة إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ثم البيع والتصدير فيما لو انتشرت هذه التجربة بصورة أوسع في الظروف الحالية.

حافز

مثير للاهتمام حقاً أن جميع من قصدناهم وقابلناهم من المهندسين الزراعيين والمعنيين بزراعة الفطر المنزلي كانوا قد اختبروه مسبقاً بأنفسهم، فكل من الدكتور الشديدي وأيوب قاما بتجربة زراعة الفطر في منزليهما، ونجحت تجربتهما، ما يقدم حافزاً إضافياً لأي مقبل على مشروع مماثل للمضي والبدء بمشروعه الصغير المنتج.

محمد محمود