تصريحات ترامب الكاذبة
لم تعد التصريحات الانتهازية التي أدلى بها ترامب خلال العامين الماضيين تدهش أحداً اليوم، ولو كان جزء من تصريحاته صحيحاً لكان حل جميع المشاكل الصعبة التي يواجهها المجتمع الدولي هذه الأيام لا يحتاج أكثر من جرة قلم.
وللقيام بتقييم موضوعي لتصريحات ترامب، دعونا نرسم صورة واضحة للأحداث في حرب واشنطن المزعومة ضد إرهابيي “داعش”، ليس سراً على أية حال بالنسبة لهؤلاء الأشخاص في واشنطن الذين أسندت إليهم مهمة مشروع “الشرق الأوسط الكبير”، و”أفغانستان الكبرى”، أن “داعش” ليست سوى وسيلة ضغط للنفوذ الغربي على العمليات التي تحدث في العديد من المناطق، بما في ذلك وسط وجنوب شرق آسيا، وهكذا، فإن “داعش” بمختلف صيغه وأشكاله هو الخليفة الروحي لأداة أخرى من الأدوات التي تستخدمها واشنطن في سياستها الخارجية، وهي “القاعدة”، ومع ذلك فقد خضعت كلتا المنظمتين الإرهابيتين لتغيير كبير في الطريقة التي تعملان بها، والأهداف التي تحاولان تحقيقها، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الدور المتزايد لروسيا بالتعاون الوثيق مع سورية وإيران التي بدأت تضطلع بدور الصدارة في الحرب ضد الإرهاب.
في ظل هذه الظروف، ستحاول الولايات المتحدة نقل الإرهابيين الذين تزعم أنها تحاربهم إلى البلاد البعيدة عن متناول روسيا لضمان بقائهم على قيد الحياة، وتعتبر أفغانستان من ضمن تلك الدول التي لا تستطيع روسيا تقديم مساعدة عسكرية لها، وبحسب تقييم تقريبي قدمته وكالات الاستخبارات الأمريكية شارك ما يقرب من 350 إلى 400 ألف مقاتل في وقت ما في الأعمال العدائية تحت الراية السوداء لهذه المجموعة الإرهابية، وفي الوقت نفسه، وفقاً لبعض التقارير، لا تصل الخسائر الفعلية التي تكبدتها هذه المجموعة في المعارك ومن خلال القبض على عناصرها، إلى أكثر من 80 ألف إرهابي، ما يجعلنا نتساءل: أين ذهب الباقون الذين يبلغ عددهم 300 ألف إرهابي؟!.
في الحقيقة الإجابة عن هذا اللغز واضحة، فالجزء الأكبر من أولئك الذين يقاتلون مع “داعش” هم المرتزقة المحترفون الذين وصلوا إلى سورية من كافة أنحاء العالم، بما فيها عدد من الدول الأوروبية، وهؤلاء الأشخاص الذين نشرت وسائل الإعلام الغربية تقارير عنهم باعتبارهم متشددين ليسوا سوى مرتزقة.
ينبغي ألا ننسى أن تنظيم “داعش” لم يكن شيئاً من دون وكالات الاستخبارات الأمريكية التي أنشأت جوهر هذه المجموعة المسلحة من عملاء لأجهزة المخابرات الأجنبية التي كان هدفها الرئيسي إسقاط دول الشرق الأوسط الكبير، وجعل أفغانستان تابعة لواشنطن.
في الحقيقة، تابعت وكالات الاستخبارات الأمريكية عملية اللامركزية في السلطة لتفكيك الدول الكبرى في المنطقة، وتهيئة الظروف المناسبة لتسلل الإرهابيين إلى روسيا وإيران.
وفيما يتعلق بتصريحات ترامب الطنانة التي يدلي بها حول الهزيمة المطلقة والكاملة لـ “داعش”، فهي ليست سوى محاولات لتضليل عامة الجمهور، وعلى سبيل المثال، فإن الفصيل الذي موّلته ودعمته السعودية لايزال في الشرق الأوسط، ويتعرّض للمطاردة والتدمير، لكن هؤلاء العملاء الغربيين الذين كانوا يقومون بمهام ترتبط بتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” قاموا الآن بسحب قواتهم العاملة في المنطقة.
لقد عاد الإرهابيون السابقون الآن إلى الحياة في ألمانيا، وتركيا، وأفريقيا، وآسيا الوسطى.. إلخ، إنهم يعملون في المعاهد والمدارس والشركات الخاصة، لكنهم في الحقيقة ليسوا سوى خلايا نائمة يمكنها إطلاق العنان للعنف، وتدمير أية دولة في هذا العالم بمجرد استدعائهم من قبل أسيادهم، وكالات الاستخبارات الغربية.
أما فيما يخص وكالات الاستخبارات الأمريكية، فقد قامت بنقلهم إلى أفغانستان وباكستان.
وبحسب تقارير إعلامية تحضّر الولايات المتحدة لمؤامرة جديدة بمشاركة “داعش”، ويرى محللون أنه في المناطق التي تسيطر عليها قوات البنتاغون في سورية، تقوم أجهزة الاستخبارات الأمريكية باختيار الإرهابيين لنقلهم إلى مركز التجميع السري لوكالة الاستخبارات المركزية في العراق، كما يزور ممثّلو وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية مراكز التحقيق التي أنشأتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للإرهابيين العاملين في سورية، فالميليشيات الذين تم تخفيض عددهم يتم تجهيزهم للقيام بحملة جديدة ببطاقات هوية جديدة ليتم نقلهم إلى العراق ثم نقلهم جواً إلى خارج المنطقة بواسطة القوات الجوية الأمريكية.
لذلك، لا عجب الآن إذا كان هؤلاء الإرهابيون يتحركون بحرية عبر أوروبا، وتلك المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة المركزية في أفغانستان، خاصة في المناطق الحدودية المتاخمة لباكستان وإيران.
في أوروبا، تتمثّل المهمة الرئيسية لهؤلاء الأشخاص في مواصلة محاولات زعزعة الاستقرار في تلك البلدان التي لا تظهر طاعة واضحة لواشنطن من خلال جميع أنواع المظاهر السياسية.
وفي آسيا الوسطى، يتعين عليهم إلحاق الضرر الأكبر بروسيا وإيران، ومع ذلك، فإن الهدف النهائي من الهرب بعيداً إلى المناطق الغربية من الصين توحيد أراضي آسيا الوسطى تحت لافتات سوداء.
لقد أظهرت الحرب على سورية أن هؤلاء الإرهابيين لن يواجهوا أي نقص في الأسلحة، أو الأموال لعملياتهم بسبب الدعم الذي يتلقونه من الغرب، لذا فهم يمثّلون تهديداً حقيقياً، بطريقة أو بأخرى، لم تواجه تلك القوات أية أزمة لوجستية، حيث أنشأت شبكة نقل وتوزيع.
في الآونة الأخيرة، وقعت بالفعل العديد من الهجمات الإرهابية في أفغانستان وأسفرت عن خسائر بشرية، ويصف العديد من المحللين الوضع الحالي في أفغانستان بأنه غير مستقر بشكل متزايد، لذلك في كل مرة يدعي دونالد ترامب أن “داعش” قد هُزِم، يمكنك أن تكون على ثقة أن تصريحاته كلها كاذبة.
سمر سامي السمارة