دراساتصحيفة البعث

حروب أمريكا المدفوعة

سمر سامي السمارة

تسمح سلطات حكومة الولايات المتحدة لنفسها بأن تكون الديكتاتور الذي يسيطر على العالم، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث لو لم يكن لديها حلفاء يقبلون هذا النوع من المعاملة المهينة، فحروبها المدفوعة ضرورية لكي تتمكن مثل هذه الإدارة من تحقيق النجاح.
قامت الإدارة الأمريكية في العاشر من أيار الفائت بتحذير حكومة فنزويلا من اتخاذ أية إجراءات ضد المشاركين في محاولة الانقلاب الفاشلة التي دعمتها الولايات المتحدة في فنزويلا وإلا ستقوم بتشديد الخناق بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، أي أنه ستتم معاقبة أية دولة ستقيم علاقات تجارية مع فنزويلا أكثر من ذي قبل.
تكون العقوبات الاقتصادية الخطوة الأولى للحرب، ويكون الغزو العسكري الخطوة النهائية، وتفرض الولايات المتحدة العقوبات على الدول التي تتعامل مع من تعتبرهم أعداء لها، منحية جانباً الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.. إلخ، لتتولى منصب القاضي، هيئة المحلفين، الشرطي والجلاد للعالم بأسره، وتقوم الولايات المتحدة بنشر “ديمقراطيتها” عن طريق الديكتاتورية الدولية التي أصبحت الآن أكثر جرأة من أي وقت مضى.
تتذرع الإدارة الأمريكية بضرورة فرض العقوبات الاقتصادية لمعاقبة حكومة فنزويلا بسبب معاناة الفنزويليين نتيجة نقص الغذاء والدواء، وغيره من الضروريات، بالرغم من أن الحصار الاقتصادي هو الغرض الرئيس للعقوبات التي تهدف بالضبط لخلق مثل هذا النقص، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية وحلفاءها يضعان هذه الأعذار لخداع الناس، ليس فقط لإظهار مدى فعالية العقوبات (وهي غاية)، ولكن أيضاً لما تسميه وجود هذه الظروف الاستثنائية في فنزويلا، وإيران، ودول أخرى تقرها الإدارة الأمريكية (وحلفاؤها)، بمعنى آخر: يتم خداع الشعب، (على الأقل في الدول المتحالفة معها) لتصدق بأن المصدر الرئيسي للمشاكل في تلك البلدان التي تعاني هو الحكومة التي تحاول الإدارة الأمريكية الإطاحة بها، الدول الضحية نفسها، تحاول الولايات المتحدة من خلال عملية التحكم في العقل هنا التأكيد على أن سبب المشاكل الشديدة في البلدان التي تخضع للعقوبات هو الوضع السياسي الداخلي لتلك الدول، وليس تدخل الولايات المتحدة والأنظمة المتحالفة معها التي تهدف للإطاحة بالحكومات المستهدفة واستبدالها، وتعتقد الإدارة الأمريكية أن الشعب الأمريكي (والشعوب في الدول المتحالفة) أغبياء بحيث يسلّموا بالمصير المتناقض هنا، (حيث تُظهر أنها تستخدم تلك العقوبات من أجل مساعدة الناس في الأراضي المستهدفة بدلاً من إفقارهم)، وبالتالي تلقي باللوم على حكومة فنزويلا، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أنه من خلال منع التجارة بين فنزويلا وشركائها التجاريين لن تتمكن فنزويلا من الاستيراد، ولا يمكنها التصدير، وهكذا يتم خنقها اقتصادياً، وهو ما يحدث فعلياً، وهنا يكمن نجاح العقوبات المفروضة.
وفي حال فشلت الإدارة الأمريكية في فرض إرادتها من خلال العقوبات تتوجه للعمل العسكري باستخدام الأسلحة الفتاكة التي تدعم الدولار الأمريكي بالدماء، دماء الضحايا، ودماء الدول المستهدفة، فلن يكون الدولار العملة الاحتياطية العالمية إذا لم يكن مدعوماً في النهاية من قبل الجيش الأمريكي، “شرطي العالم”، سيكون الدولار مجرد عملة أخرى، لذا فالتحالفات ضرورية ليتسنى لامبراطورية مثل هذه القيام بممارسة نشاطاتها، لكن التحالفات تحتاج أيضاً إلى أعداء وهم الضحايا أنفسهم، وعليه فالعلاقات التجارية مع “الأعداء”، (أي بلد خاضع للعقوبة)، تؤدي إلى معاقبة هذه الدول التي تقوم بالتجارة معها، بالطريقة نفسها تكون العقوبات في الواقع حصاراً اقتصادياً لا يؤثر على الدولة المستهدفة فقط، بل على الدول التي لا تنضم إلى الحرب الاقتصادية ضد هذه الدولة، هكذا يعمل الحصار، فالغرض من العقوبات هو عزل البلد المستهدف عن طريق توسيع نطاق العقوبات أيضاً لتشمل أية دولة لا تتخلى عن تلك الدولة المستهدفة، وبعد أن تصبح الدولة المستهدفة معزولة بما فيه الكفاية، تقوم الامبراطورية بغزوها، هذه هي الطريقة التي تعمل وفقها الامبراطورية التي تسعى لترويع الدول وإخضاعها.
في التاسع والعشرين من نيسان الماضي، ذكر معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI)، وهو هيئة معايير الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم، أن “الإنفاق العسكري العالمي وصل إلى 1.8 تريليون دولار في عام 2018” ، وذكر أن “إجمالي الإنفاق العسكري لأعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي الـ 29 قد بلغ 963 مليار دولار في عام 2018 ، وهو ما يمثّل 53 في المئة من الإنفاق العالمي”.

ممن يحمي الناتو نفسه؟
تشكّل الدول البالغ عددها 166 دولة وهي غير أعضاء بالناتو 85٪ من جميع الدول، لكنها لا تنفق مجتمعة، وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام، سوى 47٪ من الميزانيات العسكرية العالمية، لذلك من يستفيد حقاً من جميع الأسلحة التي تنتجها دول الناتو وتشتريها غير أصحاب تلك الشركات المنتجة للأسلحة؟ هؤلاء الأشخاص هم المستفيدون الحقيقيون من وجود الناتو، والسؤال الذي يطرح نفسه: أليست الولايات المتحدة، وهي زعيمة الناتو، من يرتكب حوالي 90٪ من الغزوات والانقلابات العالمية؟.. إذاً عما يدافع الناتو؟ لم تحاول الولايات المتحدة حتى فرض تغيير على أنظمة الحكم في دول حلف شمال الأطلسي، باستثناء تركيا عام 2015، وتواصل الإدارة الأمريكية الحالية توجيه الناتو ليكون ضد روسيا بالدرجة الأولى.
زعم حلف الناتو عند تأسيسه أنه “معاد للشيوعية”، لكنه في الواقع كان دائماً التحالف العسكري المناهض لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وأعربت روسيا عن رغبتها في أن تصبح عضواً في حلف شمال الأطلسي، ولكن تم منعها من قبل الإدارة الأمريكية، فلم ترغب بها شركات مثل شركة لوكهيد كحليف، ولكن فقط كهدف، لأن مثل هذه الشركات تحتاج إلى دول حليفة ودول مستهدفة لكي تزدهر.
وبحسب تقرير معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام فإن الحصة الكبرى في الإنفاق في عام 2018 كانت للولايات المتحدة وبلغت (27.8 مليار دولار).
يطالب الرئيس الأمريكي ترامب بأن تنفق جميع الدول الأعضاء في الناتو البالغ عددها 29 دولة ما لا يقل عن 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على “الدفاع”، ووفقاً لتقرير الناتو في العاشر من تموز 2018، حول “النفقات الدفاعية لدول الناتو (2011-2018)”، فإن 4 دول فقط من دول حلف شمال الأطلسي في ذلك الوقت نفذت ذلك فعلياً: الولايات المتحدة= 3.5٪، اليونان= 2.7٪، استونيا= 2.2٪، المملكة المتحدة= 2.1٪.
من الواضح أن حكومة الولايات المتحدة تحمل راية التحريض لإشعال فتيل الحرب في الدول المستهدفة، أصدقاء وحلفاء روسيا، لكن القيادة الأمريكية تريد من حلفائها الأجانب مثل أوروبا أن يبتزوا المزيد من الأموال من دافعي الضرائب لدعم اعتداءات الفريق الأمريكي، لذا فإن شراء الكثير من الأسلحة لا يكفي لإرضاء حلف الناتو الذي لم يعد لبقائه بعد عام 1991 أي سبب فعلي.
لكن منظمة حلف شمال الأطلسي ليست أكبر الأسواق الخارجية لمقاولي وزارة الدفاع الأمريكية، بل إن منطقة الشرق الأوسط هي أكبر الأسواق، حيث تزدهر تجارة الحروب، وهي، أي منطقة الشرق الأوسط، بعكس دول حلف شمال الأطلسي التي تعتبر معظم دولها نفسها من المنتجين الرئيسيين للأسلحة، وليست مجرد مستهلكين رئيسيين لها، فلا أهمية لدول الشرق الأوسط كأراض لصناعة الأسلحة لذلك، فهي تستورد كافة معداتها العسكرية تقريباً، الأمر الذي يجعل هذه الدول مرشّحة بشكل أكبر لتكون من الزبائن الدائمين.
وبحسب تقرير معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام فإن “ستاً من الدول العشر التي تتحمّل العبء العسكري الأعلى، “الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي”، في العالم في عام 2018، هي دول الشرق الأوسط: المملكة السعودية (8.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، عُمان (8.2 في المئة)، الكويت (5.1 في المئة)، لبنان (5.0 في المئة)، الأردن (4.7 في المئة)، ونظراً لأن تلك الدول أيضاً دول حليفة للولايات المتحدة، فإنها تشكّل أسواقاً ضخمة لحلف الناتو، خاصة بالنسبة لأمريكا، عملاقة صناعة الأسلحة، في الواقع، وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام، كانت صادرات الأسلحة إلى السعودية من المورد
(2013-2017) 61٪ من الولايات المتحدة، 23٪ من المملكة المتحدة،
و 16٪ الباقية كانت من 9 دول.
الإدارة الأمريكية هي القوة التي تحكم الناتو، وتضطلع بدور الريادة في تمويل صناع الأسلحة لديها، تنفق الولايات المتحدة 1٪ فقط من إجمالي الناتج المحلي على الأسلحة العسكرية، بينما تنفق السعودية، وهي ليست من دول الناتو نسبة 8.8٪، ومع ذلك، فإن نسبة 8.8٪ من إجمالي الناتج المحلي الذي يذهب إلى جيشهم يعود بفائدة كبيرة على الشركات، لأن السعوديين، إلى حد كبير، هم أكبر مشتر أجنبي للأسلحة أمريكية الصنع.
أصبح دافعو هذا “العبء العسكري” قائمة من أكبر المشترين في العالم لأسلحة الناتو، الولايات المتحدة بشكل أساس، التي يجري تسويقها من قبل شركات مثل لوكهيد مارتن، وبي ايه آي ، والتي يتم تسويقها فقط لحكومة أمريكا وإلى حلفائها العسكريين، وخاصة في أوروبا والشرق الأوسط ليتم استخدامها ضد الدول الرئيسية التي يرغب أصحاب المليارات الأمريكيون في النهاية بالاستيلاء عليها، يريد أصحاب المليارات الأمريكيون بشكل خاص التغلب على إيران وروسيا، وأية دولة تتحالف معهما، أو حتى تكون صديقة لأي من هاتين الدولتين اللتين أصبحتا بالتالي أهدافاً رئيسية لأمريكا بدلاً من حلفاء لها.
يعتقد الجنود الأمريكيون أنهم جيش أمريكا، لكنهم في الحقيقة ليسوا سوى المستخدمين والمدربين الذين يستخدمون منتجات هذه الشركات التي يتم توجيهها رسمياً لتشكّل ما لا يقل عن 20٪ من ميزانية “الدفاع” للحكومة، وفي المقابل يدفع دافعو الضرائب في الحكومة التكاليف، وقد تم غسل أدمغتهم بنجاح لاحترام حلف الناتو بدلاً من احتقار استمرار وجوده بعد عام 1991.